المباراة السياسية في الدول العربية - ابراهيم رجب

. . ليست هناك تعليقات:




الاصوات غاية الحكام قديما وحديثا

على مر التاريخ منذ ان استقر الانسان في موطن واصبح هناك تجمع سكاني بدأ الصراع السياسي والتي اسميها من باب التخفيف مباراة سياسية .. طبعا هدف المباراة كأي مباراة رياضية هو الفوز على الخصم .. بفارق الاهداف في الرياضة وبفارق الاصوات في السياسة

.. قد يقول قائل ان هذه المباراة للفوز بالاصوات هي حديثة العهد ظهرت مع ظهور النظام الديمقراطي .. اما في النظم الاستبدادية وفي ظل حكم الطغاة فلا توجد منافسة ولا مباراة على الاصوات ..

وقول هؤلاء ليس دقيقا بل يمكن القول انه خاطئا .. المباراة السياسية للفوز باصوات قديمة قدم الازل .. الذي اختلف هو فقط نوع الاصوات التي تجري المنافسة لكسبهم ففي قصور الطغاة تكون هناك ايضا مباراة سياسية للفوز بالاصوات .. لكن عدد الاصوات حينها يكون قليل جدا وقاصر على المجموعة المؤثرة في القصر او القصور كما في عصور الاقطاع .. الصراع السياسي لكسب اصوات الامراء لتثبيت امبر اطور على العرش.

وهناك الاف الامثلة على صراعات جرت في القصور وحول القصور للفوز بتزكية الاصوات.

وما يجري في عصرنا " العصر الديمقراطي" ما هو الا فقط اتساع نطاق الاصوات وزاد العدد ليشمل الشعب كله ..

وسواء اصوات من في القصور او اصوات الشعب فالقاعدة واحدة .. والهدف واحد وهو الحصول على التأييد للوصول للسلطة .. الامور هي ذاتها لم تختلف الا من حيث الشكل والوسيلة ..

فبما يتعلق بالوسيلة استخدمت في السابق اشكال عدة من الترغيب ومن صلات القرابة والترابط القبلي ومن استخدام الدين ورجال الدين .. وايضا التهديد والضغط و احيانا بحد السيف وقتل المنافس او المنافسين ..

وفي عالم الديمقراطية الحالية يوجد ذات الشيء باشكال وطرق واساليب اختلفت عن السابق لكنها من نفس الجوهر " تقدمت الاساليب نظرا لتفدم المجتمعات اقتصاديا حيث انه كلما تطور نمط الانتاج الاقتصادي تطورت المجتمعات وتطورت فيمها وقوانينها واخلاقها التي تمنع القهر وتمنع الضغط وتمنع الترغيب كذلك وتحرص على النزاهة ما امكنها ذلك .."

لكن الصراع على الاصوات باق وهو الجوهر وهو الميدان الرئيسي للوصول للسلطة والصراع على الاصوات في المجتمع الديمقراطي يستخدم اسلوب الرغيب الوعود اكثر من اسلوب الوعيد والتهديد .. ويطلق العنان للبرامج الواعدة بتقديم مكاسب للشعب .. وكلما كان البرنامج اكثر اقناعا للجمهور كلما مالوا نحوه وايدوا صاحبه ان فردا او حزبا ..

اذن الصراع السياسي "المباراة السياسية " في المجتمع الديمقراطي الحالي هي مباراة برامج تحمل وعودا للجمهور بحل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية عموما . لكن ماذا عن المجتمعات المتخلفة كمجتمعاتنا العربية هل المباراة السياسية هي بين برامج سياسية تحمل حلولا لمشاكل المجتمع ؟؟
الجواب لا ..
--------------------------



المباراة السياسية في بلادنا هي بين افكار وليست بين برامج
ان المباراة السياسية في المجتمع الديمقراطي المتطور هي مباراة بين برامج سياسية تتضمن وعود بتقديم مكاسب للشعب .. وكلما كان البرنامج اكثر اقناعا للجمهور كلما مالوا نحوه ومنحوه تأييد صاحبه ان فردا او حزبا.

لكن في بلادنا العربية الامر يختلف فالمباراة السياسية في بلادنا هي بين افكار .. بين ثقافات .. بين رؤى فكرية وليست بين برامج سياسية

وهذه المباراة تتم بين اربع فرق او اقسام او مكونات في المجتمع هي :

الاول : القوى التقليدية وهدفها المحافظة على الواقع القائم وترفض تغييره لان الثبات يعني بقاء سيطرتها وهيمنتها فيما أي تغيير سينتقص من مصالحها

الثاني : القوى الدينية .. وهي من حيث الجوهر تلتقي مع الاولى ولكنها اكثر تشداد وتطرفا في اخضاع باقي القوى وهي اكثر رجعية وعداء للتغيير

ثالثا : القوى الليبرالية المنفتحة على الثقافات والافكار المرنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .. التي ترى بان الدولة المدنية الديمقراطية هي الهدف الاسمى

رابعا : القوى الاشتراكية واليسارية والتي ترى انه لا بد من اسقاط الانظمة حتى يتم تحقيق مصالح الفقراء والطبقات الكادحة واقامة مجتمع الرفاه والعدالة

. وطبعا الطرف الاولى هو الاقوى لانه يقوم على قاعدة المجتمع القبلي العشائري أي ى العلاقات الاقطاعية وعلاقات ما قبل الرأسمالية .. وهي لا تحمل افكارا واضحة وصريحة فهي براغماتية محافظة جدا لا تتميز عن اهل العصور الوسطى واذا دعت الحاجة تجدها متدينة وبيدها سوط الجلاد في العصور الاسلامية واذا دعت الحاجة تجدها.. ليبرالية ومنفتحة ومتفتحة واذا دعت الحاجة تجدها.. اشتراكية ويسارية

.. وبما انها تمتلك السلطة والثروة والاعلام فهي الاقدر على ان يصل فكرها الى الجمهور ويتم كسب وده وتاييده ومن لا ينفع معه الاعلام بوسائله المختلفة فسوط الجلاد موجود

.. اما الجماعات الدينية فهي تستند الى ثقافة غائرة في وجدان المجتمع يتم المحافظة عليها وردع كل من تسول له نفسه حتى بالسؤال لماذا باخراجه من نعيم الايمان والقائه في سعير جهنم .. أي ان اسلوب الخطاب الديني وحشد التاييد له قائم على القمع والارهاب ايضا(اسلم تسلم) اقبل بما نقول او سنرميك في نار جهنم اقبل بما نقول وسوف نعطيك مسكنا في الجنة مع الجواري والحواري والغلمان والخمر والعسل واللبن .

اما الليبراليين فهم وثقافتهم كلها جديدة على المجتمع العربي .. و امكاناتهم محدودة وحضورهم في ساحات المباريات ضعيف وغير واضح المعالم ولا توجد قوى مؤطرة ومنظمة يقال انها ليبرالية فالليبرالية في بلادنا ما زالت مشروع فكري ثقافي سياسي اقتصادي في بداية الطريق

. اما اليسار والاشتراكية فكانت لهم محاولات واماني وطموحات كبيرة منذ بدايات القرن الماضي لكنها كلها ذهبت ادراج الرياح .. ووجودهم في المجتمع العربي محدود وهامشي وغير ذات تأثير.

.. اذن المباراة السياسية في بلادنا العربية هي بين اصحاب او المنتمين الى هذه الفرق الاربعة .. لكن السؤال هل يبذل الاطراف الاربعة نفس الجهود للوصول الى الجماهير لاقناعها برؤاها وافكارها .. الجواب طبعا لا

.. والنتيجة انه من يصل الى عدد اكبر من الناس ومن يقنع عدد اكبر من الناس فهو الذي يسود ويسيطر .. اكيد جميع الاطراف تدرك ذلك .. لكن هل جميع الاطراف تبذل الجهد الكافي للوصول للجماهير .. طبعا لا كما قلنا ..

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو لماذا ؟؟ لماذا القوى الليبرالية واليسارية خصوصا بعيدة عن الجماهير ؟

لماذا هي معزولة ؟ 

3
لماذا لا تبذل الجهد المطلوب لايصال فكرها للجمهور ؟
 المباراة السياسية هدفها الوصول الى السلطة عن طريق كسب الجماهير فكيف يصل اليسار وكيف يصل الليبراليون

السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو لماذا ؟؟

طبعا من المستحيل ان تتساوى الامكانات والقدرات للوصول الى الجماهير فكما قلنا ان السلطة تمتلك السلطة والمال والقانون والاعلام .. فيما يمتلك رجال الدين المساجد والمنابر الدينية كافة اما الليبرال واليسار عموما فهم جماعات صغيرة (انتلجنسيا ) في معظمهم نخبة اغلب افرادها بسبب الهوة الساحقة التي يرزح فيها المواطنين يشعرون بالغرور والتعالي عن الجمهور الجاهل ..

وبالتالي لا يمتلكوا لا وسائل اعلامية ولا مناير اجتماعية ولا انتشار اشخاص بين الناس والاهم انهم لا يمتلكوا فكرا يخاطبوا به الناس او برامج يروجوها بين الناس .. ولهذا دورهم هامشي ومحدود التاثير ولا تحسب الدولة او جماعات الاسلمة لهم حسابا

.. قد يرد البعض فيقول ان هذا تشخيص سطحي للواقع واهمال للاسباب التي ادت الى هذه الضعف وهذا الدور المحدود .. طبعا معه حق لكن لا اظن ان هذا البحث هدفه الكشف عن اسباب ضعف اليسار وجماعة الليبرال .. بل همه وهدفه هو التوصل الى مفاهيم وخطوات عملية لعمل اعلامي مؤثر يمكن اليسار والليبرال من الوصول الى الجماهير .. وطاما تمكنوا من الوصول للجماهير يكون الحكم انذاك هو الخطاب السياسي والفكري ومضمونه .. اذن الهم الرئيسي والاول والاساسي المباشر امام اليسار وامام الليبراليين هو التوصل الى رؤى عملية تتعلق بالاعلام .. لان اهمال الاعلام وعدم الاستفادة من التطورات الهائلة التي حدثت فيه .. وعدم الانتباه الى ان الاعلام اصبح وسيلة ديمقراطية مؤثرة يعني ان من يدعي انتمائه لليسار كاذب وانتمائه صوري لفظي فقط لا غير

. فكيف يمكن لليسار والليبرال الارتقاء في استخدام الاعلام لتعظيم وتطوير حضورهم وتواصلهم مع الجمهور ؟؟ 

4
ملاعب المباريات السياسية
عندما يتم الحديث عن المباراة السياسية فانه يخطر على البال فورا اين تجري المباريات السياسية اين ساحاتها في أي المواقع عبر أي وسائل ووسائط .. لان كلمة مباراة مرتبطة بالرياضة عادة والمباريات الرياضية تجري في ملاعب الرياضة وكذلك المباريات السياسية تجري في ملاعب ايضا فما هي هذه الملاعب ؟

اذا بدأنا من قمة الهرم السياسي يمكن تصنيف الملاعب على النحو التالي :

اولا : مجلس الوزراء ..
وهو الهيئة السياسية التنفيذية العليا في الدولة ففيه يكون اعلى مستوى من المباريات السياسية

ثانيا : مجلس الامة – الشعب - البرلمان
وهو اعلى مؤسسة سياسية تشريعية رقابية في الدولة فهو الملعب الاكثر حدة وسخونة وتنافس بين القوى السياسية

ثالثا : النقابات المهنية ..
وهي الملاعب الاوسع والاكثر اقترابا من هموم الناس اليومية والمعيشية وهي ملاعب اساسية ورئيسية في الدول الديمقراطية

رابعا : النوادي بانواعها ..
الرياضية والاجتماعية والادبية والفنية .. وهي ملاعب توجد وسط الجماهير وعلى تواصل مباشر مع مختلف الفئات وشرائح المجتمع

خامسا : الجامعات ..
ان ملعب الجامعة يشكل واحدا من اخطر الملاعب السياسية كونه المصنع الذي يتم فيها صناعة الافكار السياسية اكثر مما يتم فيها صناعة الثقافة العلمية او الادبية او الفنية وتضم اعدادا ضخمة من جيل الشباب جيل المستقبل

سادسا : المدارس ..
في المدارس يتم تاسيس النشئ وفيها يتم زراعة الوعي والمعلومات والافكار واكاد اجزم ان 90 % ممن تصادفون في حياتكم كل ما لديهم من ثقافة هي فقط تلك التي حصلوا عليها اثناء فترة الدراسة بالمدرسة

سابعا : المنازل ..
في جميع المنازل في العالم الا من استثناءات بسيطة تجري مباراة سياسية متعددة المستويات ومتعددة الحدة .. حيث يجري في المنازل تثبيت رؤى سياسية محددة عبر صراع فكري وسياسي بين الزوج والزوجة ثم بين الاب وابنائه والام وابنائها

ثامنا : في الشارع العام ..
وفيه تجري مباريات سياسية متعددة متنوعة شاملة وجزئية عميقة وسطحية

والان على ضوء هذا التقسيم لملاعب المباريات السياسية ,, هل تسأل الاحزاب الوطنية نفسها اين هي بالنسبة لهذه الملاعب ,؟

هل لها وجود فيها كلها ام في بعضها .. في كل البعض ام في جزء من البعض .. وهل تقارن نفسها بخصومها .. وتواجدهم وتاثيرهم وحجم حضورهم .. ؟

وهل يشارك الحزب بمباريات الدوري العام ؟

ام بمباريات تجري في الحواري وفي اخرى ودية وثالثة في ملاعب صغيرة وضيقة ..

وقبل كل هذه الاسئلة ... هل الحزب يلعب مباريات ام انه متفرج فقط ؟؟

ان الاجابات على هذه الاسئلة يحدد حجم وقوة أي حزب او جماعة او حركة او جبهة ..

ولهذا من السهل جدا جدا معرفة قوة ووزن وحجم وتأثيرأي حزب سياسي

.. ويجب الا ننسى ان هدف المباراة السياسية هو الوصول الى السلطة عن طريق كسب تأييد الجماهير .. وهذه الملاعب هي مؤسسات سلطة (السلطة ليست الحكومة فقط) والوصول الى هذه الملاعب (المؤسسات) يتم من خلال تاييد الجماهير .. وتأييد الجماهير يقوم على قناعته بافكار الحزب .. فكيف تقتنع الجماهير بافكار الحزب اذا لم تصلها الافكار اصلا .. بل حتى انه في حال وصولها هناك قوى منافسة بالملعب تناهضها وتدعو الجماهير الى عدم الاقتناع بها ..

 اذن السؤال المركزي يظل دائما ... كيف اصل للجماهير ...؟؟
 الجواب عبر الاعلام ... 
وهذا ما سوف اتناوله في الفصل الثاني من الدراسة تحت عنوان (الاعلام يصنع الوعي الجماهيري  ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في الموقع

صفحة الدانة نيوز الثقافية

صفحة الدانة نيوز الثقافية
صفحة ثقافية منوعة وشاملة احدى مفاخرنا

المقالات المتحركة

الدانة نيوز - الصفحة الرئيسية

صفحة المرأة - السيدة العربية

صفحة المرأة - السيدة العربية
صفحة شاملة منوعة تتابع قضايا المرأة وشؤونها واخبارها

كيف ظهرت الحياة على الأرض

***** الأكاديمي الروسي إيريك غاليموف - المدير العلمي لمعهد الجيوكيماء بأكاديمية العلوم الروسية - هو صاحب فرضية منشأ القشرة الأرضية الكوندريتي الكربوني. كما يعتبر من أهم مؤلفات الأكاديمي غاليموف كتابه الشهير بعنوان "ظاهرة الحياة" التي يكشف فيها آلية تشكل المادة العضوية من اللاعضوية وظهور الحياة على الأرض وهذا هو موضوع حلقتنا هذه

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

صفحة المقالات

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلان

تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

اعلن معنا

سلايدر الصور الرئيسي