الازمة في لبنان عميقة وجذورها ممتدة
---------------------
كتب اراهيم رجب
غنيّ عن التأكيد أن المسيحية والإسلام، في لبنان، في تطورهما وفي تعدد الثقافات داخل كل منهما، من المكوّنات التي تتميّز بها الشخصية اللبنانية، لكنهما ليسا المكوّن الوحيد، كما جرى التعامل معهما. لقد وقعت القوى السياسية من أبطال الاستقلال، التي صاغت "الميثاق الوطني" كأساس لما سميّ بـ"الصيغة اللبنانية"، في ما أعتبره "خطأ" فادحاً، ربما من دون أن تدرك مفاعيل ذلك الخطأ التي لم تتأخر في الظهور منذ الأعوام الأولى للاستقلال.
وظلت تلك المفاعيل تتفاقم بأشكال مختلفة حتى أيامنا هذه. يتمثل الخطأ في المحاصصة الطائفية، التي باسمها أعطى أبطالُ الاستقلال المسيحيين امتيازات خاصة في دولة الاستقلال ومؤسساتها.
في حين كان يفترض التعامل مع المسيحيين خصوصاً، ومع المسلمين أيضاً، استناداً إلى الأدوار الكبيرة التي تميّز بها رواد النهضة العربية الكبار، ومعظمهم من المسيحيين، الذين أسسوا بتلك الأدوار للبنان الحديث تاريخاً عريقاً في الحضارة والتقدم، تجلّى في الفكر التنويري. وكان عدد من أولئك الرواد الكبار قد اختاروا، منذ وقت مبكر، العلمانية والاشتراكية مذهباً لهم، متأثرين في ذلك بما كان يجري من تحولات كبرى في أوروبا الحديثة، ومتأثرين على وجه الخصوص بأفكار الثورة الفرنسية وبالأفكار الاشتراكية. هذا الخطأ المتمثل في المحاصصة الطائفية هو الذي حوّل تاريخ لبنان ما بعد الاستقلال إلى تاريخ صراعات وانقسامات على أساس طائفي ومذهبي، وإلى حروب أهلية وتدخلات خارجية، دمرنا فيها نحن اللبنانيين وطننا الجميل الخالد. ودمرنا على وجه الخصوص، المعنى الذي تشير إليه وتؤكده السمات المتعددة للشخصية اللبنانية، بمكوّناتها المتنوعة، الدينية والإثنية والثقافية والحضارية، وبأنماط حياتها الخلاّقة. وهي التي جعلت لبنان منذ وقت مبكر ملتقى الثقافات والحضارات، وأعطته المعنى الذي يعود إليه، وقد بددناه نحن اللبنانيين في صراعاتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق