أنماط النظم التسلطية
لفهم و حصر أنماط النظم التسلطية تم اللجوء إلى ذكر النماذج التسلطية الافريقية التي تلت فترة ما بعد الاستقلال للدول التي تميزت أنظمة حكمها بالتسلطية. و تميزت الفترة التي تلت استقلال معظم الدول الإفريقية، بظهور نظم الحزب الواحد في الحكم في غالبية دول القارة، فأقل من خمس دور من بين تسع وأربعين دولة مستقلة في القارة هي التي يمكن وصفها فقط بأنها دول متعددة الأحزاب، وهذا يعني أن اغلب الدولة قد أتبعت نظام الحزب الواحد الذي مكن القيادات الإفريقية من ترسيخ علاقات التسلط والاستبداد, بل أضافت إليها جاهدة أنماط جديدة في سبيل المحافظة على السلطة التي أنتجت في نهاية المطاف أوضاع استبدادية وتسلطية على كافة المستويات, ساد الاعتقاد بأن الدول الإفريقية المستقلة سوف تسير على ذات النهج الذي سارت فيه النظم السياسية الغربية من حيث شكل نظام الحكم، وطبيعة المؤسسات السياسية القائمة التي تتميز بأن مركز الثقل في النظام السياسي يميل لصالح السلطة التشريعية إلى جانب التعددية والتنافس الحزبي. هذا ربما يعود إلى أن الدول الاستعمارية السابقة قد حاولت نقل نظمها السياسية والاقتصادية للمستعمرات السابقة عند الاستقلال, بهدف خلق دويلات تابعة تدور في فلك الدول الاستعمارية السابقة.
أنماط النظم التسلطية
1 - هيمنة نمط الحزب الواحد:
ارتبطت الظاهرة الحزبية في العالم الثالث بنظام الحزب الواحد أي أنها تدخل في إطار النظم اللاتنافسية، ويعود وجودها إلى أواخر الحقبة الاستعمارية، والسيطرة الأجنبية، ومحاولات التخلص من هذا الوضع، وبناء كيانات جديدة مستقلة، وهذا يعنى أن عمر الأحزاب السياسية الناشئة يعتبر قصير نسبياً بمعنى أنها ظهرت للوجود بعد الحرب العالمية الثانية، وتبلورت مطالبها أساساًُ في المشاركة في الحكم.
و نظام الحزب الواحد المسيطر لا يحتكر الحياة السياسية ولكنه يسيطر عليها سيطرة تامة، ويترك لغيره فرصة للتواجد ولكن لا يسمح لها بأن تتحداه، ومنه إلى نظام الحزب الوحيد أو الأوحد الذي يحتكر الحياة السياسية ولا يترك لغيره فرصة التعايش معه, وبذلك فقد أصبح نظام الحزب الواحد هو القاعدة العامة في العالم الثالث .
تتفق النظم الحزبية في أنها أحزاب جماهيرية ولو من حيث المبدأ، وبذلك فهي ليست أحزاب بالمعنى التقليدي حيث أن الحزب يمثل الجزء للكل وليس الكل، وبذلك درجت العادة على وصف أغلب الأحزاب السياسية بالأحزاب الجماهيرية التي نشأت نتيجة إقرار نظم الانتخاب العام وصعود الأنظمة البرلمانية، وكانت في البداية مقتصرة على القوى اليسارية الصاعدة التي كانت تهدف إلى توعية الطبقة العاملة وتنظيمها سياسياً ونقابياً، ولكن بعض الأحزاب اليمينية أو البرجوازية التي كانت مقتصرة في البداية على النخب والوجهاء، أدركت أهمية الانفتاح على الجماهير، وبذلك عمدت على تبني الهياكل التنظيمية التي كانت تتبعها الأحزاب الجماهيرية.
وتستمد هذه الأحزاب قوتها من الجماهير بمعنى آخر من الأعضاء المنتسبين إليها الذين يعول عليهم في تمويل النشاط السياسي، وذلك من خلال دفع للاشتراكات بصورة دائمة لإن الأحزاب الجماهيرية تفتح أبواب العضوية فيها لكافة طوائف الشعب بدون تمييز, كما أنها تدعي تمثيل مصالح الجماهير، وبذلك فهي تضم في صفوفها اكبر عدد من الأفراد، وتتميز بأنها تقوم على المركزية في علاقة أعضاء الحزب مع بعضهم البعض ومع القيادة.
وتندرج تحت هذا النوع من الأحزاب الشمولية، والأحزاب ذات المضامين الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
يتميز نظام الحزب الواحد بالتنظيم الهرمي والمركزية والسلطة الهيراركية، ويتكون التنظيم الهرمي للحزب في الغالب من عدة مستويات تنظيمية تتراوح من 3-5 مستويات، يكثر وحداتها الأساسية في المستوى القاعدي، ويقل في المستويات العليا، ومن أهم خصائص التنظيم الداخلي للحزب الواحد هو اتساع قاعدته لتبنى على التنظيم الإداري للدولة.
كما أن دعامة التنظيم الهرمي للحزب وأساسه المركزية الإدارية التي تضمن التناسق بين مستويات التنظيم الحزبي المختلفة وسير عملها.
يخضع الحزب الواحد لسلطة الزعيم القومي، وهو ذاته رئيس الحزب ورئيس الدولة في كثير من الدول ، وهذا يعني أن الحزب مرتبط مباشرة بسلطة شخص هذا الزعيم وأداته في الحكم يده بدلاً من أن يصبح وسيلة في إيجاد مؤسسات سياسية قوية، تعكس إرادة جموع الشعب،
كما أن قرارات الحزب هي قرارات الرئيس، وهذا يخلق فراغ تنظيمي على المستوى الحزبي، وأن القضاء على الزعيم يؤدي إلى انهيار المؤسسات القائمة، ولهذا الأساس نجد أن أغلب الانقلابات العسكرية خطط لها عندما كان الرئيس خارج البلاد.
إن الضعف التنظيمي لنظام الحزب الواحد وعجزه عن تحريك الجماهير وتعبئتها، واتجاهها بدلاً من ذلك للاعتماد على القوة والقمع بصورة متزايدة لتحقيق الطاعة والولاء، والقضاء على المعارضة السياسية أدى إلى ضعف الأحزاب السياسية المسيطرة لتفسح المجال لتنامي سلطة العسكريون والاتجاه نحو عسكرة السلطة.
2- العسكريون وعسكرة السلطة:
شهدت دول العالم الثالث خلال خمسينات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي تنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية وسيطرة العسكريون على السلطة بحيث تلعب المؤسسة العسكرية دوراً سياسياً بارزاً في الحياة السياسية، ويتجلى في أحدى الصور التالية:
– النفوذ العسكري الذي يمارسه العسكريون في شكل جماعة مصالح, ويوجد هذا النمط في الدول التي تتميز باستقرار ورسوخ التقليد الخاص بالسيطرة المدنية على القوات المسلحة.
– المشاركة العسكرية حيث يشارك العسكريون في عملية صنع القرار, وإدارة الهيئات والمؤسسات الهامة في الدولة.
– سيطرة العسكريون المباشرة على مقاليد العملية السياسية بحيث يتحكمون في عملية توزيع القيم والموارد داخل المجتمع.
ويرجع تنامي ظاهرة تدخل العسكريين في السياسة إلى الخبرة التاريخية التي تعتبر من أهم عوامل التنشئة المهنية والسياسية والاجتماعية للعسكريين.
إن سيطرة العسكريين على زمام الأمور يصبح مطلباً ملحاً في الدول التي يسودها هذا النمط من أنماط الحكم. فالنظم البرلمانية التي وجدت في بعض الدول عند الاستقلال تحولت بعد سنوات قليلة إلى نظام الحزب الواحد ثم النظم العسكرية فيما بعد، ويرجع ذلك إلى ضعف المؤسسات المدنية، والمشاركة المفرطة والافتقار إلى الشرعية السياسية، وفضلاً عن عدم الاستقرار الاقتصادي، وقد ساهمت هذه العوامل في تسهيل استيلاء الجيش على السلطة في دول العالم الثالث خلال الستينيات
كما أن النزعة التسلطية الكامنة دفعت البعض لاستغلال المؤسسات العسكرية وذلك لاحتكارها شبه الكامل لمصادر القوة في المجتمع مما يجعلها القوة الوحيدة القادرة للسيطرة على الدولة.
ويوصف النظام السياسي بأنه عسكري عندما يسيطر العسكريون على مقاليد العملية السياسية فيتحكمون في عملية القيم والموارد داخل المجتمع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق