لا شك إن لملكية وسائل الإعلام تأثير على الأداء الإعلامي للوسيلة، فلا يوجد إعلام حر بشكل كامل وهو ما يؤكده الواقع، ورغم تباين هذا التأثير من قبل الإعلام المملوك للدوله والاعلام الخاص، فانهما يلتقيان في جوانب متعددة من أهمها
اولا : التأثير على الرأي العام:
يعد الاعلام الصيني مثال بارز لمدى تأثير ملكية الدولة على الآداء الإعلامي، فمازالت الحكومة الصينية تسيطر بشكل مطلق على وسائل الإعلام، على الرغم من أن وسائل الإعلام تعمل وفقاً لقواعد السوق الحر، ولكنها تعمل في ضوء التوجهات الدعائية للحزب الشيوعي، ولا تستطيع الخروج عن مبادئه وسياساته وتوجهاته، أو الخروج عن التعليمات الحكومية. بينما في الولايات المتحدة الأمريكية توجد مجموعة من التكتلات الاقتصادية العملاقة تسيطر على وسائل الاتصال الأمريكية، وتتحكم فيما يشاهده الجمهور الأمريكي، وما يقرأه عن العملية السياسية. وتستخدم هذه الشركات قوتها السوقية لطرح أجندتها، وأجندة الشركات العملاقة الأخرى، وتصبغ كل جوانب الثقافة الأمريكية بالصبغة التجارية. وتنكر هذه الشركات والقوى الرأسمالية التي تملكها حقيقة أن الديمقراطية السليمة تقوم على رأي عام واعي ومتعلم، ولا تطرح القضايا السياسية الحساسة سوى بشكل هزيل.
ثانيا : تحقيق مصالح النخبة الحاكمة:
تُتهم المؤسسات الإعلامية الكبرى بأنها تقوم بدور شرطي الحراسة لحماية وترويج المصالح والتشريعات الإقتصادية للنخب الحاكمة، وأباطرة السوق. وأن هذه الكيانات الإعلامية العملاقة التي نشأت خلال العقد والنصف الماضيين تجاوزت وظائفها الإعلامية التقليدية، وصارت سلاحاً أيدولوجياً بأيدي المتحكمين في العولمة الرأسمالية، وانحصر دورها في تضليل الجماهير من خلال تبرير وتجميل السياسات العولمية المعادية لحقوق غالبية البشر المستضعفين من ناحية، والتصدي بشراسة للمطالب العادلة لهذه الفئات المهمشة والمقهورة اقتصاديا، وسياسياً.
وقد وصل الأمر ببعض هذه المؤسسات الإعلامية العولمية الي الاستحواذ على السلطة السياسية نفسها في بعض الدول، حيث تمكن مثلاً سيلفيو برلسكوني صاحب الإمبراطورية الإعلامية في ايطاليا من القفز إلى رأس السلطة من خلال سيطرته المطلقة على وسائل الإعلام وتسخيرها لخدمة اغراضه السياسية
تسعى هذه الكيانات الإعلامية العملاقة الي وضع يدها على "شخصيات" و"ماركات" لها تاريخها، بهدف تكوين ما يسمى "بالميديا المعولمة". وهو ما يؤكده سعي رجل الأعمال لاجردار- الذي بدأ بالعمل في ميكنة الطائرات - للسيطرة على جريدة "لوموند" الفرنسية، وأن جريدة "ليبراسيون" الفرنسية ذات الاتجاه اليساري تخضع حاليا لمجموعة روتشيلد المصرفية ، وصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية اليومية أصبحت مملوكة لمجموعة داسو الصناعية
. كذلك نرى في بريطانيا روبرت مردوخ، الذي يمتلك نسبة كبيرة من شركة News Corporation وهي ثاني أكبر مجموعة إعلامية عبر العالم، وهي تنشر كتب، وتنتج أفلام، وتصدر مجلات، وتبث محطات فضائية، وتنتج برامج تلفزيونية، الي جانب العديد من الأنشطة الإعلامية الأخرى، قد تورط في "فضيحة تنصت صحفيي إمبراطوريته على المواطنين وهو ما جعل زعيم حزب العمال في حوار له مع جريدة الاوبزرفر يدعو إلي وضع قواعد جديدة تنظم ملكية وسائل الإعلام في البلاد بهدف الحد مما وصفه التركيز الخطير للسلطة في أيدي قطب الإعلام مردوخ.
هناك بعض التجارب التي استطاعت أن تحقق درجة من الاستقلال مثل مؤسسات الخدمة العامة، وهذا النموذج يقدم على أنه يشكل بديلاً للإعلام الرسمي الحكومي من جهة، ويكسر احتكار القنوات الفضائية الخاصة من جهة أخرى، وهو اعلام غير خاضع لسلطة الحكومات كما أنه لا يخضع لتقلبات السوق، أو لأهواء أجندات ممولي القنوات الخاصة. وان كان ذلك لا يعني انه مستقل تماما وإنما لدية درجة من الاستقلال تحميه من التحكم السياسي المباشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق