رد على الاستاذ العويمير ... الحديث عن فساد السلطة روايات قديمة (الجزء الاول) بقلم:ابراهيم رجب
تاريخ النشر : 2008-09-06
المتحدثون عن الفساد في السلطة الفلسطينية يبدو ان ساعاتهم توقفت على اقصى تقدير عند زمن سقوط حكومة اسماعيل هنية ، وبعضهم توقفت ساعاتهم عند فترة ما قبل انتقال الرئيس الشهيد ياسر عرفات الى جوار ربه ، وبعضهم لم يحمل ساعة في تاريخه فالزمن منعدم لديهم.
واخرون لا يعنيهم الزمن اصلا ولا يقيمون له وزن، فحتى لو ان احد مناضلي فتح عشق شابة وهرب معها في بيروت السبعينات، او شابا فتحاويا سرق بيضة من بقالة في روسيا القيصرية، لاستشهدوا بهما ليدللوا على فساد السلطة وفساد فتح.
ويورد هؤلاء من التهم والاقاويل عن الفساد اكثر بكثير مما جاء باسئلة السيد مقبل العويمر من مثل : هل تخلو السلطة من الفساد والمفسدين ؟ (والجواب حتما لا ولكن الحكومة تعمل باقصى طاقة في بناء مؤسسات السلطة لتحقيق سيادة القانون ومنذ تسلم السيد فياض الحكومة لم يكن هناك اي حالة فساد مالي في الدولة) ما ذا تم في قضية تهريب الخلويات؟ ( خضعت للتحقيق والقضاء قال كلمته) ماذا تم في قضايا تهريب وسرقة أموال الشعب؟ (سؤال عام من الصعب الاجابة عليه) ما مصير الأراضي المملوكة لفتح والمسجلة بأسماء أشخاص توفوا وآخرون ما زالوا على قيد الحياة وقد مضى على التسجيل زمن طويل فهل تم تصحيح هذه الأوضاع؟ (اتهام بلا ادلة) ما مصير الأرصدة والحسابات المفتوحة بأسماء الأفراد؟ (ليتفضل ويعطينا السيد العويمير بيانات حساب واحد).
ما مصير مزارع الموز في يوغندا وأمريكا اللاتينية المسجلة بأسماء أفراد سلموها لأولادهم وباعوها ؟ (روايات قديمة وقيل ايضا في الصومال وتشيلي وغيرها). ماذا تم بقضايا الفساد والرشاوي في الداخل ؟ (ليتقضل ويعطينا امثلة). ما مصير الثمانية عشر مليون دولار المسلمة لدحلان من الأمريكان؟ (روايات ليس هناك اي دليل عليها ) من قرر شراء سيارات مصفحة لتستعمل في نقل أشخاص يحملون بها بصل والبقدونس لبيوتهم؟ (مبالغة كبيرة فالسيارات المصفحة قدمتها الاردن هدية لبعض المسؤولين).
لكن الامر ليس في تقديم اجابات سريعة بل ان الاجابة على موضوع الفساد اعمق من ذلك بكثير، لان هناك يا استاذ مقبل من يقول اكثر من ذلك احدهم فمثلا في احد مقالاته والذي جاء فيه " في لقاء مع شبكة CBS الأمريكية قبل أعوام (لاحظوا قبل اعوام) ذكر عصام أبو عيسى المدير السابق لبنك فلسطين الدولي أن حجم المبالغ التي تمتلكها القيادة الفلسطينية يصل إلى 30 مليار دولار في حسابات خارجية و2 مليار دولار في حسابات داخلية، و حتى عام 1990 قدّر حجم الاستثمارات في حينها ب 50 مليار دولار".
وفي هذه الفقرة يتضح انه توقف الزمن عنده منذ فترة طويلة، وحتى لو تحركت ساعته بالصدفة وبدافع شيطاني فانها عادت لتتوقف عند فترة قبل ان يغادرنا الشهيد ابو عمار الى دار الاخرة، ونجده بنفس الوقت لا يقيم وزنا للمتغيرات والتطورات التي حدثت على صعيد بناء السلطة ومؤسساتها والقوانين العصرية الحديثة والنزاهة والشفافية التي تعتمدها حكومة تسيير الاعمال برئاسة الدكتور سلام فياض.
ويتحدث اخرون عن اتهامات تشمل الاخ ابو علاء، واخرى تشمل ابناء الاخ ابو مازن، وطبعا الاتهامات للاخ محمد دحلان تتدحرج الملايين فيها بلا عدد، وقبل ذلك اتهم ابو عمار شخصيا، واتهمت حرمه بعد وفاته، وايضا وجهت اتهامات للكثير من الاسماء في السلطة وفي فتح ليس ابرزهم روحي فتوح. ولا ادعي ان كلها باطلة ولا استطيع اثباتها ايضا.
ولكن هناك بالفعل من يستغلون كل فرصة للنيل من السلطة حتى ولو بتاليف الروايات والقصص ونسبها الى اسماء مجهولة لتشويه السلطة.
وما طرحه السيد العويمر ينطبق عليه ما ينطبق على مجمل هذه الاتهامات، فهي اولا بلا ادلة، وثانيا تنتمي لفترة سابقة على حكومة الدكتور فياض، وثالثا هناك في بلادنا اليوم قضاء نزيه ومنظمات للشفافية مثل مركز "امان" للنزاهة والشفافية وهو مؤسسة مدنية مستقلة يمكن اللجوء اليها للتاكد من صحة المعلومات واذا ثبت صحتها فان المركز لديه وسائله لايصال الموضوع للقضاء ومتابعته والوصول الى نتيجة مؤكده. ولديه موقع على الانترنت فيه تقارير حول الاداء المالي للسلطة يمكن الاطلاع عليها وهي تقارير نزيهه ومشغولة باحتراف.
ومن يريد الاطلاع على ادق تفاصيل الاوضاع المالية للسلطة فبامكانه زيارة موقع وزارة المالية ففيه كل التفاصيل وبدقة متناهية وحتى شهر يونيو الماضي.
و ان نؤكد السلطة ليست منزهة عن النقد والانتقاد ولكن البعض اعتبر موضوع ما يسمى بالفساد في السلطة (ويبدو ان المقصود به الفساد المالي فقط مع ان هناك انواع اخرى من الفساد اكثر فتكا بالمجتمعات والدول من الفساد المالي) عبارة عن" طبق من ذهب" لتحقيق الشهرة والظهور بمظهر النظيفين جدا والطهورين جدا، على حساب الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية. ومعظم هؤلاء قامت تحليلاتهم على وكالة "يقولون ويقال وكما ذكرت تقارير او كما صرح فلان" ولم يقدم ايا منهم برهانا واحدا على صحة ما يقول او يدعي، وكانوا ممن اما توقفت ساعاتهم عند فترة زمنية قديمة او على الاقل ما قبل حكومة تسيير الاعمال.
والاسماء التي يمكن ايرادها كنماذج على هؤلاء الكتاب كثيرة، ابرزهم بالطبع بارون لندن، وعدد من زملائه اللندنيين من نفس التيار السياسي او متعاطفين معه، ولا ننسى عبد الباري عطوان، وعدد من الكتاب اليساريين المعارضين لاتفاق اوسلو والذين ظنوا انه عبر الحديث عن الفساد يمكنهم تقويض "سلطة اوسلو" على حد تعبيرهم، ومنهم من هو معاد اصلا للعمل الوطني الفلسطيني ومن المعادين تاريخيا لفتح سواء كان رئيسها ياسر عرفات او ابو مازن او الخليفة العادل سيدنا عمر بن الخطاب.
ومشكلة هؤلاء المنزوون في ركن مظلم من التاريخ واولئك الذين ينبشوا بين السطور عن اشارة من هنا او هناك تفيد بان احد العاملين في السلطة ارتكب جناية او جريمة تتصل من قريب او بعيد في الفساد المالي انهم لا يسايروا ولا يتتبعوا التحولات الجذرية الجارية في كيان ومؤسسات السلطة.
ويمكن حصر الاسباب التي تجعل من مواقف هؤلاء هزيلة حد الاسفاف ما يلي:
اولا: انهم لا يحللوا الظرف التاريخي للعلاقات الاجتماعية السائدة في فلسطين، وبالتالي لا يدركو ان مجتمعا تحت الاحتلال لا بد وان يفرخ مفسدين من كل الالوان والاشكال، وانواع من الفساد لا حصر لها من السرقة والاختلاس والدعارة ، والمخدرات، والنفاق والكذب، والاعتداء على اعراض الناس وفرض الخوة، والسطو ولا شك ان اخطر انواع الفساد التي يخلقها الاحتلال هي العمالة للعدو التي انتشرت في فلسطين كما تنتشر النار في الهشيم.
وينسى هؤلاء الكتاب العظماء مقولة "اغنياء الحرب" والتي كانت سلوكا مرافقا لكل الحروب في الدنيا وفي كل مجتمعات الارض.
ثانيا : ان هؤلاء الكتاب والاكاديميين المحترمين ومعهم بعض اليساريين لا يدركوا ان مستوى التطور الاجتماعي لمجتمع ما يحدد نوع الجرائم والسلوكيات التي تسود في ذلك المجتمع، فمثل المجتمع الفلسطيني الذي ما زال حائر بين قيم البداوة والريف والتحضر، لا بد وان تنتشر فيه الرشوة والفساد والمحسوبية والسرقة والنفاق الاجتماعي وكل الامراض العشائرية، لانه ببساطة لا يمكن في هذه المجتمعات المتخلفة ان يسود القانون وان تعم العدالة والمساواة.
ثالثا : عندما يحدث تغير دراماتيكي كا حصل للشعب الفلسطيني بعد اوسلو – سلطة احتلال ترخي قبضتها الامنية – سلطة جديدة قادمة لا تملك أي مقومات لفرض هيبة الدولة وفرض سيادة القانون – ففي هذه المرحلة الانتقالية تزدهر عمليات الفساد والافساد في شتى اشكالها وليس فقط الفساد المالي.
رابعا : ان هؤلاء المحللين العظام والكتاب الكبار والمنظرين الاكابر يعتقدوا ان الشعب الفلسطيني مجموعة من الملائكة ولا يجب ان يكون منهم اللص والحقير والتافه والنصاب والعاهرة والمقامر الى اخره، ويتجاهلوا تماما ان الفلسطينيين مثلهم مثل باقي البشر"النفس امارة بالسوء" و"المال السايب بيعلم السرقة" و "غاب القط العب يا فار" و"بوس الكلب من تمه لتاخذ حاجتك منه" الى اخر الامثال التي تدل على انتهازية الانسان وابتذاله اذا لم يجد من يردعه ويوقفه عند حده. ومن الذي ينظم حياة المجتمع ويصون الاموال العامة والخاصة ويحمي اعراض الناس واموالهم غير الدولة؟؟ .
واذا كانت الدولة وحتى الان حتى هذه اللحظة في طور التكوين فكيف اذن ستكون عليه الامور؟؟.
خامسا : وربما هذا البند من اخطر البنود واكثرها اهمية وهو الخلط سواء المتعمد والمقصود او النابع عن جهل وعدم معرفة بين الافراد والسلطة (أي سلطة) فاذا قام وزير او حتى رئيس وزراء او مدير او موظف باختلاس اموال عامة فهذا لا يعني ان السلطة كلها فاسدة ويجب تدميرها، ففي الولايات المتحدة اتهم الرئيس كلينتون (اكبر راس في البلاد) بالفساد الاخلاقي واقامة علاقة جنسية مع احدى موظفاته، فجرى التحقيق مع الرئيس علنا وامام شاشات التلفزة ولم نجد احدا في الولايات المتحدة يقول ان البيت الابيض فاسد والحكومة الامريكية فاسدة يجب القضاء عليها، وهكذا رؤساء دول ووزراء وساسة كبار واكاديميين وكبار صحافيين يجنحوا للفساد الاخلاقي او المالي فلم نرى احدا في مصر او فرنسا او الارجنتين طالب بتدمير السلطة او احدا وجه الاتهام لكل العالمين بالسلطة وطالب بقطع رؤوسهم.
ويفترض ان يدرك هؤلاء وغيرهم ان السلطة هي كيان اعتباري لا دخل للافراد فيها، انه كيان يملكه الشعب باسره، فهي رمز السيادة الوطنية، ورمز الاستقلالية القومية، والاستقلالية الوطنية.
لكن دوافع معظم من لا يميزون بين السلطة ككيان وبين العاملين بالسلطة هو دافع سياسي بالاساس وليس دافع مكافحة الفساد وتنقية السلطة من المفسدين، ومساعدة السلطة على بناء مؤسسات نظيفة نزيهه. فحديثهم عن الفساد وتضخيمه والمبالغة فيه هدفه القضاء على السلطة القائمة واستبداله بسلطة جديدة كل يرى بمن ينتمي اليه من احزاب وتيارات هو الاحق بهذه السلطة.
ولهؤلاء نقول بالبلدي "بلاش نضحك على بعض" فالامور مكشوفة والاهداف معروفه.
اما الكثير من المخلصين ولا اشك بان السيد العويمير فان دوافعهم مختلفة لكنهم في النهاية يخدمون توجهات الغير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق