لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار امريكا اولا (1)
دراسة / ابراهيم رجب
مقدمة
---------------------
الفكرة الخطيرة التي يعتنقها المتطرف اليميني؛ أنّ الدولة القومية يجب عليها التخلص من العناصر الأجنبية التي تضعفها من الداخل
وهذه من اهم معتقدات ترامب الالماني الاصل
من هو ترامب ؟؟
دونالد جون ترامب / (العمر 73 سنة) / الميلاد: 14 يونيو 1946،،نيويورك،
هو الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية والحالي منذ 20 يناير 2017،
وهو رجل أعمال وملياردير أمريكي، وشخصية تلفزيونية ومؤلف أمريكي
الأولاد: إيفانكا ترامب، دونالد ترامب الابن، تيفاني ترامب، إريك ترامب، بارون ترام
ترامب التاجر
---------------------
الفكرة الخطيرة التي يعتنقها المتطرف اليميني؛ أنّ الدولة القومية يجب عليها التخلص من العناصر الأجنبية التي تضعفها من الداخل
وهذه من اهم معتقدات ترامب الالماني الاصل
من هو ترامب ؟؟
دونالد جون ترامب / (العمر 73 سنة) / الميلاد: 14 يونيو 1946،،نيويورك،
هو الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية والحالي منذ 20 يناير 2017،
وهو رجل أعمال وملياردير أمريكي، وشخصية تلفزيونية ومؤلف أمريكي
الأولاد: إيفانكا ترامب، دونالد ترامب الابن، تيفاني ترامب، إريك ترامب، بارون ترام
ترامب التاجر
ترامب هو الابن الرابع لعائلة مكونة من خمسة أطفال، والده فريد ترامب أحد الأثرياء وملاك العقارات في مدينة نيويورك، وقد تأثر دونالد تأثرًا شديدًا بوالده، ولذلك انتهى به المطاف إلى جعل مهنته في مجال التطوير العقاري، وعند تخرجه من كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا عام 1968، انضم إلى شركة والده: منظمة ترامب
بدأ حياته العملية بتجديد لفندق الكومودور في فندق غراند حياة مع عائلة بريتزكر، ثم تابع مع برج ترامب في مدينة نيويورك وغيرها من المشاريع العديدة في المجمعات السكنية. واشترى فندقا وكازينو للقمار في مدينة اتلانتك سيتي ، ثم اشترى كازينو تاج ايضا كازينو للقمار.
أسس ترامب وأدار عدة مشاريع وشركات ومنتجعات ترفيهية، التي تدير العديد من الكازينوهات، الفنادق، ملاعب الغولف، والمنشآت الأخرى في جميع أنحاء العالم، ساعد نمط حياته ونشر علامته التجارية وطريقته الصريحة بالتعامل مع السياسة في الحديث؛ على جعله من المشاهير في كل من الولايات المتحدة والعالم
وقد أدى هذا التوسع في الأعمال التجارية إلى تصاعد الديون. حيث أن الكثير من الأخبار التي نقلت عنه في أوائل التسعينيات كانت تغطي مشاكله المالية، وفضائح علاقاته خارج نطاق الزوجية مع مارلا مابلز، والناتجة عن طلاق زوجته الأولى، إيفانا ترامب.
شهدت واخر التسعينيات تصاعدًا في وضعه المالي وفي شهرته. وفي عام 2001، أتم برج ترامب الدولي، الذي احتوى على 72 طابقًا ويقع هذا البرج السكني على الجانب الآخر المقابل لـمقر الأمم المتحدة.
كذلك، بدأ البناء في "ترامبليس"، وهو مبنى متعدد الخدمات على جانب نهر هدسون.
وقد امتلك ترامب مساحات تجارية في "ترامب انترناشيونال أوتيل آند تاور"، الذي يحتوي على 44 طابقا للاستعمال المتعدد (فندق وعمارات)، ويمتلك ترامب حاليًا عدة ملايين من الأمتار المربعة في مدينة مانهاتن، ولا يزال شخصية بارزة في مجال العقارات في الولايات المتحدة وهو من المشاهير البارزين الذي تتعرض له وسائل الإعلام بالتغطية.
في مجال الاعلام
قدم ترامب البرنامج الواقعي " ذا أبرينتايس" على قناة إن بي سي.
نشاطه السياسي
بدأ ترامب نشاطه السياسي عام 1987، وقرر في عام 2000 خوض الأنتخابات الرئاسية عن حزب الإصلاح الأمريكي ( Reform Party) لكنه لم يحظى بشعبية كافية وأنسحب منها،
وبعد إنضمامه للحزب الجمهوري قرر خوض انتخابات 2012 لكنه تراجع لاحقاً،
وفي يناير 2015 قرر رسمياً خوض الأنتخابات الرئاسية في 2016 واستطاع حجز بطاقة الترشح عن الحزب لكي يخوض الأنتخابات أمام هيلاري كلينتون والتي استطاع أن يفوز بها بنحو 306 صوت في المجمع الانتخابي ليصبح بذلك الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.
========================
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار امريكا اولا (2)
دراسة / الحلقة الثانية
الرئيس دونالد ترامب ينتمي لليمين المحالفظ
اليمين يقسم إلى انواع : اليمين المعتدل، اليمين المتطرف، اليمين الديني.
--------------------------
بداية ما هو اليمين بصفة عامة.. ؟
اليمين ظاهرة أيديولوجية تنكر المساواة، وتؤمن بوجود فوارق عنصرية ما بين البشر، فالسيادة عند اليمينيين تكون للاثرياء ، ورجال الدين ، ومن صفاتهم ايضا التعصب للعرق والدين واللون ، وعدَاءً للأجانب عمومًا، وتقسيم المجتمع الى مواطنين من الدرجة الأولى، وبشر من الدرجة الثانية ، واخرين من الثالثة والرابعة .
واعضاء وانصار التيار اليميني وأتباعه من ثقافتهم الراسخة الدعوة إلى التدخل في حياة المجتمع للحفاظ على تقاليده والتصدي لاي تغيير او تاثير على التقاليد والاعراف ومراكز القوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، كما أن الأحزاب اليمينية تنادي بتعزيز وتمتين هيكل النظام السياسي القائم بينما في الجانب المقابل الأجنحة اليسارية تدعو إلى تغيير ليس فقط السلطة بل الأنظمة والقوانين التي جاءت بالسلطة القائمة ..
اما اجتماعياً واقتصادياً فان عقيدة اليمين تقوم على التفاوت بين البشر وليس المقصود بالتفاوت بالقدرات ولكن التفاوت الاقتصادي والاجتماعي ويعتبروا ان هذا التفاوت شيء طبيعي ويستشهدوا بالاديان فيقولوا انه حتى الاديان تؤيد هذا التفاوت .
وثقافتنهم تؤمن بانه يجب أن يكون هناك طبقة غنية وطبقة فقيرة وطبقة متوسطة، ويببرراليمين هذا التفاوت بالقول "أن ذوي القدرات المتميزة يصبحون أغنياء أما ذوي القدرات المحدودة لابد وان يكونوا فقراء" .
تاريخيا
واليمين يؤمن بما كان سائدا في ازمان اجداده حيث كان المجتمع مقسم إلى 3 طبقات حسب المكانة الاقتصاديه والاجتماعيه في معظم أوروبا
الطبقة الاولى والعليا وصاحبة السيادة واسلطة هي :
طبقة الملاك ورجال الدين ولا تجاوز نسبة هذه الطبقة من المجتمع اكثر من 1 % في احسن الاحوال
الطبقة الثانية (شريكة الاولى)
طبقة النبلاء وتنقسم الى شريحتين شريحة عليا وتضم الإقطاعيين المعفيين من دفع الضرائب ويحق لهم الصيد وحمل السيف وكانواوزراء وقادة الجيش ومستشاري الملك ، ويمنحوا لقب النبيل من قبل الملك كمكافأة لخدمته أو بواسطة شراء أراض أو قلاع.
الشريحة الثانية ما يطلق عليها اليوم الطبقة الوسطى من البرجوازيين الذين بدورهم كانوا طبقة واقعة بين النبلاء و الفقراء،
هذه الشريحة تكون حوالي 10 % من المجتع تقريبا.
الطبقة الثالثة
طبقة العامة (الجماهير) طبقة الفقراء من غير الارستقراطيون او رجال الدين أو النبلاء وكانت هذه الطبقة تشمل أيضا بعض المنتمين للطبقة الوسطى ممن هم على حافة الفقر .
هذا الحال ما زال على حاله تغيرت المسميات فقط مع بعض الشكليات لكن الجوهر هو ذاته كما كان في العصور الوسطى-
====================
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار امريكا اولا (3)
دراسة / الحلقة الثانية
الرئيس دونالد ترامب ينتمي لليمين المحالفظ "المتطرف"
واليمين يقسم إلى انواع هي:
اليمين المعتدل، اليمين الديني ، اليمين المتطرف .
واتناول في هذا العرض اليمين المعتدل واليمين الديني حتى لا اطيل عليكم ثم ساتناول اليمين المتطرف بمفرده في النشرة التالية
اولا :
اليمين المعتدل او يمين الوسط
سياسة وسط اليمين،او كما توصف 'السياسة اليمينية المعتدلة"، هي السياسة التي تتكئ إلى اليمين من الطيف السياسي بين اليسار واليمين، ولكن هي أقرب إلى الوسطية من غيرها من المتغيرات اليمينية.
والوسطية التي يوصف بها اليمين المعتدل يمكن أن ينظر إليها إما كتأكيد لقوة سياسية متميزة عن اليمين المتطرف او اليمين الديني او اليسار، وإما كحل وسط بينها. ويمكن أيضا أن تمثل فكرة الاعتدال بين المحافظة السياسية والتقدمية من حيث الإصلاحات، الليبرالية والاشتراكية والمحافظة من حيث الأفكار، وسياسة التدخل وعدم التدخل اقتصاديا.
ثانيا : اليمين الديني
اليمين الديني او اليمين المسيحي هو مصطلح يستخدم - خصوصًا في الولايات المتحدة - لتسمية الفصائل السياسية اليمينية المسيحية التي تُعرف بدعمها القوي للسياسات المحافظة اجتماعيًا.
ويسعى المسيحيون المحافظون أساسًا لتطبيق فهمهم للتعاليم المسيحية في السياسة العامة بإعلان قيمة تلك التعاليم أو من خلال السعي إلى استخدام تلك التعاليم لتطبيق القانون في السياسة العامة.
ويعتبر اليمين المسيحي في الولايات المتحدة تحالف غير رسمي يتشكل حول نواة من البيض، البروتستانت الإنجيليين وبدعم متفاوت من الكاثوليك المحافظين.
ويحظى اليمين المسيحي بدعم إضافي من البروتستانت التقليديين، واليهود والمورمون المحافظين سياسيًا.
و لدى اليمين المسيحي نشاط ملحوظ اليوم لتعزيز المواقف المحافظة اجتماعيًا في القضايا الاجتماعية بما في ذلك الصلاة في المدرسة، وتدريس التصميم الذكي، والنظرة المحافظة حول أبحاث الخلايا الجذعية، والموقف ضد المثلية الجنسية، وضد وسائل منع الحمل والإجهاض، وضد المواد الإباحية. على الرغم من أن اليمين المسيحي عادًة يرتبط مع الولايات المتحدة، إلا أنه تتواجد حركات مماثلة تعمل في السياسة في كندا، وأيرلندا الشمالية وأستراليا وغيرها.
وقدم الكثير من مؤيدي اليمين الديني البروتستانتي دعمًا قويًا جدًا لدولة إسرائيل
ويربط بعضهم إسرائيل بالتنبؤات الدينية التي تقول أن إنشاء إسرائيل هو شرط أساسي للمجيء الثاني ليسوع، لأنه يمثل "تجمع إسرائيل" المتنبأ به في الكتاب المقدس.
=========================
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار امريكا اولا (4)
دراسة / الحلقة الثانية
الرئيس دونالد ترامب ينتمي لليمين المحالفظ "المتطرف" (الاصولي)
ما هو اليمين " المحالفظ " او "المتطرف" او " الاصولي " ؟؟
إن كلمات " المحالفظ " او "المتطرف" او " الاصولي " ؟؟ ما هي الا مصطلحات مختلفة تحمل نفس المعنى والمضمون وهي
مصطلحات سياسية تطلق على الجماعات والأحزاب لوصف موقعها من المحيط السياسي، والفرق بين اليمين التقليدي واليمين " المحالفظ " او "المتطرف" او " الاصولي " أن الأول يسعى للحفاظ على التقاليد وحماية الأعراف داخل المجتمع، والثاني كذلك مثله
ولكن الاختلاف يكمن في أن الثاني يدعو للتدخل القسري واستخدام العنف للحفاظ على تلك التقاليد والأعراف.
كما أن اليمين " المحالفظ " او "المتطرف" او " الاصولي " يتصف بالتعصب القومي لجنسه، والتعصب الديني ، ومعاداة المهاجرين ، والاجانب عموما .ويعتقد بسيادة البيض وكل القوميات البيضاء
ويؤمن بالتمييز بين الرجال والنساء وحقوق الرجال مقدمة على حقوق النساء
فمثلا
شعار " الحرب على المرأة " هو شعار سياسي مستخدم لوصف سياسات الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة ومبادراته في المجالس التشريعية الاتحادية وعلى مستوى الولايات. والتي ينظر إليها على أنها تقيّد حقوق المرأة، وخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنجاب.
وغالباً ما يستخدم هذا المصطلح لانتقاد سياسة ومواقف المحافظين في الحزب الجمهوري .
كذلك يستخدم هذا الشعار لوصف المبادرات التشريعية التي تؤثر سلباً على الحصول على خدمات الصحة الإنجابية، بخاصة وسائل منع الحمل وخدمات الإجهاض، إضافةً إلى كيفية محاكمة العنف ضد المرأة، وتعريف الاغتصاب من أجل التمويل العام لضحايا الاغتصاب وعمليات إجهاض المغتصبات.
إضافةً إلى التمييز ضد المرأة في مكان العمل، وتساوي الأجور.
وكثيراً ما يستخدم هذا المصطلح لنقد واستهداف السياسات التي تخفّض أو تزيل أموال دافعي الضرائب لمنظمات الصحة النسائية، مثل جمعية تنظيم الأسرة الأمريكية. كما تدور قضايا أخرى حول التمويل العام وإلزامية تأمين صاحب العمل لوسائل منع الحمل والتعقيم.
من هم اليمين المتطرف؟
ورغم أن تشكيلات ومشارب أحزاب اليمين المتطرف تختلف حسب السياقات الخاصة بكل بلد، فإنها تشترك كلها في خصائص عامة ومرتكزات إيديولوجية تميزه كتيار سياسي واحد ومتجانس، ومن هذه الخصائص النزعة الوطنية المفرطة والرافضة لكل أشكال الاندماج الإقليمي (كونفدرالية، اتحاد قاري… إلخ) بحجة حماية السيادة الوطنية.
كما أن لليمين المتطرف نزعة متأصلة نحو رفض الرأسمالية والليبرالية ليس لذاتهما وإنما خوفا من التحولات العميقة التي عادة ما تصاحبهما خاصة على مستوى القيم والأخلاق، بل إن اليمين المتطرف معروف بتحفظه على بعض مقتضيات مواثيق حقوق الإنسان في الغرب، ودافعه إلى ذلك ديني نابع في أساسه من التقاليد المسيحية.
ومن ناحية المشاركة السياسية يُمكن تقسيم اليمين المتطرف إلى أحزاب احتجاجية هدفها الأساس تسجيل مواقف وتعبئة مستمرة في صفوف أنصارها، من أجل تسويق خطاب تحريضي هدفه التشويش الإعلامي أكثرَ من التأثير في واقع الأمور، ويُطلق على هذا الصنف اسم “اليمين الشعبوي المتطرف”.
وهناك صنف آخر يتميز بقدر من الواقعية السياسية جعله يعدّل خطابه ليكون مقبولا لدى جزء من ناخبي اليمين في عمومهم، وملائما كذلك لمتطلبات الانخراط في الديمقراطية الليبرالية القائمة على التعددية وبالتالي الاختلاف.
الفرق بين اليمين المتطرف واليمين الشعبوي،
إن اليمين المتطرف حركة نخبوية تطرح أفكاراً غالباً ما تكون إيديولوجية يصعب على المجتمع التكيف معها، أما اليمين الشعبوي فلا تهمه الإيديولوجيا بقدر ما يهمه مخاطبة مشاعر قسم كبير من المجتمع واجتذاب الفئات الموجودة على هوامشه. وبحسب بشارة؛ فإن ترامب ليس يمينياً متطرفاً بل هو شعبوي، وتكوينه الشعبوي هو أقرب إلى الفئات اليمينية.
معلومة عامة
مهمات الرئيس في الولايات المتحدة
رئيس الولايات المتحدة يصدر قائمة الأوامر التنفيذية لمساعدة ضباط ووكالات السلطة التنفيذية لإدارة العمليات داخل الحكومة الاتحادية نفسها.
يصدر المذكرات الرئاسية وهي مثل الأوامر التنفيذية لها قوة القانون في السلطة التنفيذية، ولكنها تعتبر أقل قوة وتأثير.
والمذكرات الرئاسية ليست لها عملية راسخة لإصدارها أو نشرها؛ على عكس الأوامر التنفيذية، فإنها لا يتم ترقيمها.القرار الرئاسي هو قرار يؤدي إلى سياسة أو موقف رسمي للسلطة التنفيذية لحكومة الولايات المتحدة.
وقد تتضمن القرارات الرئاسية أي عدد من الإجراءات، بما في ذلك وضع أو تغيير السياسة، أو أي عدد من الأوامر الأخرى للسلطة التنفيذية.
الإعلان الرئاسي هو بيان صادر عن رئيس بشأن مسألة السياسة العامة. وتعرف عموما بأنها "الفعل الذي يتسبب في نشر بعض مسائل الدولة أو جعلها معروفة بشكل عام، وهي وثيقة مكتوبة أو مطبوعة تحتوي على مثل هذه المسائل، تصدر عن السلطة المختصة، مثل إعلان الرئيس، وإعلان المحافظ، وإعلان العمدة." ,
وهناك أيضاً الإخطار الرئاسي.
============
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار امريكا اولا (5)
دراسة / الحلقة الثانية
الرئيس دونالد ترامب ينتمي لليمين المحالفظ "المتطرف" - وهذا يعني انه اصولي
وها هو المزيدا من التعريف للاصولية
ما هي الاصولية ؟
ذكرت سابقا ان الاصولية هي مجرد تسمية اخرى لمصطلح اليمبن المحافظ او المتطرف فكلها مسميات لذات الشيء
والاصولية كما ذكرت سابقا تقوم بزيادة مشاكل التمايز بين البشر حسب العرق والجنس واللون والدين والطائفة والمذهب والأيدلوجيا والثقافة والمستوى المادي والقومية
وللأصولية يستخدم المحللون تعريفات عديدة ومنها حسب رأي علماء الاجتماع:
الأصولية هي منهج فكري يقدم توصيفا شاملا للحياة والمجتمع وأحيانا للدولة، ويرتكز على التسليم بمجموعة أفكار أساسية، تكون غالبا دينية أو أيدلوجية أو قومية، وهي أفكار تعود للماضي القريب أو البعيد؛ لا يقبل المنهج الأصولي التنويع أو الاختلاف بل ينطلق من أحكام مطلقة، تستند إما إلى تفسير أصولي للدين أو الأيديولوجيا، أو إلى قراءة أحادية تقديسيه لحركة التاريخ ,
أما الردة: فهي التراجع إلى الوراء فكريا وزمنيا وسلوكيا.
الاصولية الترامبية
أظهرقدوم ترامب إلى البيت الأبيض ما برز على السطح من مجموع التحولات الاجتماعية والأيديولوجية التي كانت مستترة داخل المجتمع الأمريكي وافرازاتها الفوقية في المنظومة الفكرية – الثقافية و السياسية للنظام الأمريكي, وهدم الفكرة القائلة: إن الرئيس الأمريكي تختاره كبرى اللوبيات والشركات الاقتصادية والإعلام الكبير؛ فترامب لم يمثل مصالح الشركات الأمريكية الكبرى بتوجهاته الاقتصادية، وقد وقف في وجهه غالبية الإعلام الأمريكي الكبير, وأيضا سياسيا لم يكن ترامب رجل صداقات سياسية يستقطب دعم السياسيين ,و كذلك لم يكن مرشح اليهود أو الصهيونية المفضل، حيث انتخب ترامب من اليهود فقط 23 بالمئة من اليهود الأمريكيين، مقابل 71 بالمئة منهم انتخبوا هيلاري كلينتون.
إذا , الظاهرة الترامبية هي توسع وازدياد قوة تيار الردة الأصولية في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، أي الارتداد أمريكيا إلى منهجيات التشدد أو التعصب القومي والعرقي والديني وحتى المادي، فهي ظاهرة تتشابه في المنهجية مع تيار اليمين المتطرف الغربي في أوروبا، وتيارات القومية المتشددة في روسيا وتركيا، وتيارات الإسلامية الأصولية والسلفية الجهادية.
لذلك ,يعتبر بعض الباحثين أن مصطلح “الترامبية” هو تعبير عن تيار فكري آخذ بالتبلور منذ تولّي ترامب الإدارة في البيت الأبيض، وهو ليس عابراً أو ظرفياً، وإنما هو امتداد طبيعي و موضوعي لتراكم طويل الأمد في بنية المجتمع والسياسة الأمريكية، في حين يراها آخرون أنها ردّ فعل سياسي طارئ ومؤقت ومرهون بوجود ترامب على رأس السلطة في الولايات المتحدة.
وثمة تساؤل يتمحور حول جوهر “الترامبية”: أهي وليدة التطورات الجديدة والشاملة في الأوضاع الدولية ؟، خصوصاً بعد تراجع دور الولايات المتحدة عقب غزو أفغانستان 2001 واحتلال العراق 2003 وفشل سياساتها لمواجهة “الإرهاب الدولي”؟ , أم هي محاولة شعبوية لرئيس امتهن التجارة وسعى لوضع السياسة في خدمتها، لاسيّما برفع أكثر الشعارات المتطرفة والعصبوية متجاوزاً بذلك ما هو مألوف من سياسات تقليدية داخلية وخارجية صبغت المنظومة السياسية الامريكية بألوانها المعتادة؟؟.
=======================
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار امريكا اولا (6)
دراسة / الحلقة الثانية
ترامب يخوض معارك اليمين على كل الجبهات
------------
لقد استطاع تاجر العقار دونلد ترامب إيقاظ مشاعر العنصرية والأصولية عند اعداد كبيرة من الشعب الامريكى، حيث تركز عالمه الخطابي والاعلامي على الفروقات الطبقية و الاجتماعية وركز هجومه الحاد على الأقليات العرقية واعتبر اللون عاملا اساسيا في التمييز بين المواطنين الامريكيين . وان الاقليات والسود هم السبب في المشكلات الاقتصادية والامنية وفي مختلف المجالات .
إن وصول ترامب للبيت الأبيض رافعاً راية العنصرية " الأصولية البيضاء" هو انتصار كبير لليمين المتطرف العنصري وهو انتكاسة للثقافة الأمريكية ؛ جاء ممثلا للطبقة البيضاء التقليدية المهيمنة على الاقتصاد التقليدي لمواجهة الاقتصاد الجديد وما يفرزه من قوى اجتماعية وسياسية جديدة .
انطلق ترامب في معركته الدفاعية عن "القوى التقليدية" من خطاب حاد هاجم فيه
" الهجرة المكسيكية" داعيا الى ايقافها ببناء سور على الحدود . معتبرا العمالة المكسيكية هي السبب في انتشار البطالة بسبب رخص اجورها مما يمكنها من منافسة المواطن .
وفتح ترامب ابواب الصراع مع الجميع تقريبا داخليا وخارجيا فهاجم الديموقراطيين واتهمهم بالمسؤولية عن افقار المواطنين البيض من خلال التساهل مع الشركات التي نقلت مصانعها الى خارج الولايات المتحدة حيث العمالة رخيصة . كالصين والمكسيك والهند.
كما هاجم الشركات نفسها وطالبها بالعودة مهددا بفرض ضرائب باهظة عليها .
كذلك استهدف الأقلية المسلمة وهدد بطرد بعضهم واصدر قرارا منع بموجبه الهجرة من 7 دول اسلامية .
كما فتح النار على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة وشملت حربه الصين وكندا والمكسيك واوروبا وروسيا والهند وفنزويلا .
وبالاجمال هذه اهم المواقف السياسية لترامب :
العلاقات الأمريكية الصينية ومراجعة الاتفاقيات الاقتصادية الدولية مثل نافتا والشراكة العابرة للمحيط الهادئ، ومحاربة الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، وتقوية نظام الطاقة وتحديث البنية التحتية للبلاد، ووعد بالاهتمام بوزارة شؤون المحاربين القدامى، وتبديل قانون الرعاية الصحية الأمريكي «أوباما كير» بالإضافة إلى تخفيض الضرائب للطبقى الوسطى، ورفع الصرف المحلي على الشؤون العسكرية، ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).واتسمت مواقف ترامب بشعبويتها حيث يحمل مواقف يتفق معها الحزب الجمهوري مثل تخفيض الضرائب ومواقف أخرى تميز الحزب الديمقراطي مثل زيادة الصرف على البنية التحتية مما أدى إلى زيادة شعبيته بين الناخبين.
ويرى ترامب بصفته اليمينية ككل اليمينيين في أمريكا بأن قوانين البيئة والعمال لا تساعد في نمو الشركات، وتعمل على تقليص قدرات الشركات في المنافسة؛ لذا فلابد من العمل بعيدًا عنها، وهو ما قد يفسر رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتفاقية باريس للمناخ ؛ إذ رأى بها عائقًا أمام الشركات الأمريكية. وتكلفها مبالغ طائلة على حد قوله .
بعث العنصرية
ويمكن القول ان الرئيس ترامب نجح في بعث و إيقاظ بعض الافكار العنصرية لدى الامريكان البيض .. ووصل به الامر الى حد اتهام الحزب الديمقراطي بمسؤوليته عن التمييز ضد البيض مشيرا الى ان على راس الحزب الديمقراطي رجل اسود "باراك اوباما" وانهم اوصلوه للبيت الابيض على حساب الامريكان الاصليين البيض
وصور ترامب نفسه بالمنقذ والنموذج الأبيض البديل و نجح في الوصول لسدة الرئاسة، وما زال منذ 3 سنوات يدور في نفس المعارك .
لكن ثقافة ترامب الآتى لحكم الولايات المتحدة من خارج السياق السياسى أو الوظيفى لمنظومة الحكم الأمريكية تتناقض مع أدبيات الحلم الأمريكى لذا يصطدم يوميا بلوبيات اقتصادية وتواجه سياساته الداخلية درجة عالية من العداء من قبل مجاميع متنوعة من مكونات المجتمع الامريكي
كما ان افتعال المواقف الحادة في السياسة الدولية تؤدى إلى إذكاء صراعات دولية وحروب جديدة في العالم لتخفيف الضغط الداخلى على إدارته
لكن ورغم كل جهوده فلم يحقق شيئا يذكر حتى الان .. ولن يحقق لانه لا يمكن اطلاقا ان ينجح مشروع يسير عكس مسار التطور والتجديد خصوصا وان اسس الاقتصاد الجديد قد تجاوز عمرها نصف قرن حتى الان .
==============
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار امريكا اولا (7)
دراسة / الحلقة الثالثة
رئاسة تفتقر الى الحكمة
-----------------------
تشكّل حقبة دونالد ترامب في البيت الأبيض منذ العشرين من يناير 2017 ولاية رئاسية غير اعتيادية تفتقر إلى الحنكة السياسية والدبلوماسية بفعل مزاجيته وارتجاليته وفلسفته في الحكم. وعلى خلاف أي مرشح آخر في التاريخ السياسي الأمريكي الحديث، يتمسك ترامب بمسافة شاسعة بين خطته وخطط خصومه من الجمهوريين والديمقراطيين، إذ يقول: “وضع أمريكا أوّلاً، والنزعة الأمريكية (Americanism) وليس النزعة العالمية (Globalism) ستكون عقيدتنا. وطالما أننا محكومون من قبل سياسيين لم يضعوا أمريكا أوّلاً، فلنكن متأكّدين أنّ الدول الأخرى لن تُعاملها باحترام”
من هذا المنطلق المندفع نحو مصالح “أمريكا أوّلاً” كاستراتيجية لاستعادة “عظمة أمريكا من جديد”، اتخذ الرئيس ترامب سبعة عشر قرارًا تنفيذيًّا مثيرًا للجدل خلال أسبوعه الأول في سدّة الحكم، وهو عدد قياسي مقارنة مع الرؤساء السّابقين. وتنمّ هذه القرارات عن فلسفة حكم تدفع بأمريكا ومؤسّساتها وقيمها نحو غايات اليمين المتطرّف في بعدها الداخلي (تعزيز صلاحيات رجال الأمن والحدود وسلطات الهجرة، منح الشركات الاستثمارية إعفاءات ضريبية، التعهّد بإلغاء نظام الرعاية الصحية، تجميد التوظيف في المكاتب الحكومية، العزم على بناء جدار عازل بين الولايات المتحدة والمكسيك…)، أو تأثيرها على السياسة الخارجية سواء بإعلان ما يرقى إلى حرب تجارية على المكسيك، أو حظر دخول اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة، وإلغاء تأشيرات الدخول وبطاقات الإقامة الدائمة لمواطني سبع دول إسلامية قبل نشوب المعركة القضائية في المحاكم، أو التحذير شديد اللهجة إلى إيران، أو مطالبة دول الخليج بدفع فاتورة المساعدة الأمريكية في حماية أمنها القومي، أو نية ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
لكنّ مرامي هذه القرارات وما تسبّبه من ارتباك وعدم استقرار تؤرّق الكثير في الولايات المتحدة وبقية العالم. يقول جوش فورهيس (Josh Voorhees) إنّ “خبراء الأخلاق والمؤتمنين على مراقبة أداء الحكومة حذّروا منذ عدّة أشهر من أنّ ترامب سيثير دوّامة الفوضى بسبب تضارب المصالح بمجرد تولّيه منصب الرئيس. وبعد أسبوع واحد على تولّيه الرئاسة، أصبحت هذه الكارثة الأخلاقية في نطاقها الكامل هي محور الاهتمام بالفعل”
ويشير مثقفون أمريكيون آخرون إلى التذمر الاجتماعي المتزايد وفشل رجال السياسة والمرشحين الآخرين في بدايات حملاتهم الانتخابية في الاستجابة لمطالب فئات العمال والمزارعين. ويقول مايكل ليند (Michael Lind) مؤلف كتاب أرض الوعد: التاريخ الاقتصادي للولايات المتحدة (Land of Promise: An Economic History of the United States) إنّ “النّظام السياسي القديم ينهار، فيما يولد نظام سياسي أمريكي جديد.. والتحالفات الحزبية التي حددت الفرق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري لعقود منذ منتصف القرن العشرين انهارت منذ فترة طويلة. وعلى مدى نصف القرن الماضي، تغيّرت تكتلات الناخبين الذين كانوا يصوتون لهما تقليديًّا تبعًا للتحولات الأيديولوجية والديمغرافية والاقتصادية والجغرافية والثقافية. وإعادة تجميع الائتلافات الديمقراطية والجمهورية الجديدة على وشك الانتهاء”
=============
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار امريكا اولا (8)
دراسة / الحلقة الثالثة
ترامب رئيس الولايات المنقسمة (وليست المتّحدة)
---------------------
مع غياب الإجماع التقليدي الذي يحيط بالرئيس عادة بعد دخوله البيت الأبيض،
تتواصل وتتنوع التحديات لقرارات الرئيس ترامب.
وقد نعى العديد من الديمقراطيين والمستقلين “وفاة” الديمقراطية الأمريكية، وأعلنوا خشيتهم من حلول عهد جديد من الحكم الاستبدادي.
وقد وصلت البلاد إلى اوضاع غير مسبوقة من الاستقطاب والتشرذم إلى معسكرين رئيسيين:
1) المحافظون اليمينيون المتطرفون في عمق أمريكا أو الولايات الوسطى التي يعتمد اقتصادها أساسًا على الصّناعة التقليدية والزّراعة .
2) الليبراليون التقدميون في الولايات الساحلية الشرقية والغربية مثل نيويورك وماساشيوستس وكاليفورنيا وواشنطن، التي تعتمد على صناعات الطيران والإلكترونيات والخدمات والأبحاث والتعليم العالي.
يقول المؤرّخ الأمريكي نيل جابلر (Neal Gabler) في مقال بعنوان “وداعًا أمريكا”
“توفيت أمريكا يوم 8 نوفمبر 2016 ليس بسبب إثارة الضجة أو مشاعر التذمّر، ولكنّ لما فعلته بيدها بالإقدام على انتحار انتخابي. نحن الشّعب اخترنا الرّجل الذي يُمزّق قيمنا وأخلاقنا ومبادئ التعاطف والتسامح واللياقة ومفهومنا للهدف المشترك وهويتنا، كل الأمور التي، مهما كانت هشاشتها، أقامت أمة من بلد”
في عام 2010، أي قبل ستّ سنوات من فوز ترامب في انتخابات الرئاسة، اشار الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي نعوم تشومسكي الى بعض المتاعب التي وصفها ىالحقيقية واهمها “الإحباط والسخط والغضب المبرّر وغياب أي استجابة متماسكة”.
وقدّم تشومسكي وقتها رؤية متشائمة لمستقبل أمريكا، وهي رؤية رفضها كثيرون آنذاك، لكنها أثبتت صوابها الاستشرافي أواخر عام 2016. وحذر آنذاك من مغبة نجاح أيّ “شخصية كاريزمية” إذا سعت إلى الترشح للانتخابات، “ووعدت بعلاج أمراض المجتمع في برنامجها بما سيجلب إليها السلطة”.
والمثير هنا مدى أوجه التشابه بين هذه الشخصية التي حذر منها تشومسكي وشخصية ترامب " بداية بمغازلة العسكر ورفع ميزانية الدفاع ، ونهاية باستخدام المهاجرين غير الشرعيين كبش فداء.
وعلى الصعيد الخارجي، تشكل رئاسة ترامب تعزيزًا لترسانة الحركات الشعبوية في أنحاء أوروبا.
وتقدم رأس المال الأيديولوجي للانعزاليين مثل مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا، وخيرت فيلدرز في هولندا، فيما تضخّ دمًا جديدًا في عضلات تيارات أخرى مماثلة في دول شرق أوروبا.

لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار امريكا اولا (9)
دراسة / الحلقة الثالثة
مقوّمات الترامبية والتحوّل إلى اليمين المتطرّف
-----------------------------------
يشير بعض المحللين إلى ما يعتبرونه ألمعية لدى ترامب في تركيب خطاب يتفهّم هذه التحوّلات، ويوحي للأغلبية البيضاء بإمكانية استعادة مركزها المالي والاجتماعي والثقافي، لكني أتمسّك بالقول إن هناك عوامل بنيوية في مسيرة النظام الاقتصادي الأمريكي ينبغي استحضارها عند تقييم الفرق بين الاستراتيجية الانتخابية لترامب، والظروف العامة السلبية التي اتخذها مطيّة طيّعة للوصول إلى البيت الأبيض.
ولفهم طبيعة ما أسفرت عنه انتخابات عام 2016 ينبغي العودة إلى عام 2008، وهي نقطة التحوّل التاريخية في مسار الانتخابات الامريكية. وما نشهده حاليًا هو ردّ فعل مباشر على تركة عام 2008، وعلى هدي تحولات أخرى وقعت بعد فوز الولايات المتحدة بالحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي. لذلك، ينبغي النظر مليًّا إلى حدثيْن بارزين:
أوّلهما:
الأزمة المالية التي عصفت بتسعة ملايين وظيفة بسبب إفلاس عدد من الشركات الأمريكية أو نقل مصانعها إلى دول أخرى؛ نظرًا لوجود يد عاملة رخيصة أو ما يعرف بـ(Outsourcing). وارتفع مستوى البطالة وقتها إلى نسبة 10%، فيما فقد خمسة ملايين من الأمريكيين منازلهم بسبب عدم تسديد مستحقات القروض ضمن حملة استيلاء البنوك على ملكية هذه المنازل(foreclosures)، فضلاً عن خسارة 13 تريليون دولار من مدّخراتهم في سوق المال. ويلاحظ تشارلز موراي (Charles Murray) من معهد أمريكان إنتربرايز (American Enterprise) أن “الحقيقة المركزية للترامبية كظاهرة هي أنّ لدى الطبقة العاملة الأمريكية بأكملها أسبابًا مشروعة للغضب من الطبقة الحاكمة. وبالنظر إلى مستوى النمو الاقتصادي خلال نصف القرن الماضي، لم يذهب أي من المكافآت إلى هذه الطبقة العاملة”[9].
ثانيهما:
نجاح أول مرشّح من الأقليات ذي بشرة داكنة واسمه الثلاثي يشمل “حسين”، وما يخفي هذا المشهد وراءه من انزعاج المحافظين من مغزى ذلك ضمن صيرورة الهوية القومية لأمريكا. ويؤمن أغلب المحافظين أن وصول أوباما إلى البيت الأبيض كان خطأ تاريخيًّا؛ بسبب خطايا جورج بوش وديك تشيني في حرب العراق ومضاعفاتها على وضع الاقتصاد، ومكانة أمريكا في الخارج من حيث تنامي المشاعر المعادية لها (Anti-Americanism). وعلى مدى أربعة أعوام، ظل الهدف الرئيسي لدى بعض زعماء الجمهوريين في الكونغرس خاصة السناتور (Mitch McConnell) هو منع أوباما من الفوز بفترة رئاسية ثانية عام 2012.
وفي عزّ المنافسات الانتخابية عام 2012، اصطنع ترامب أكذوبة أنّ أوباما “لم يولد” في الولايات المتحدة، وأنه “لا يحمل” الجنسية الأمريكية بصورة شرعية، ففتح الطريق أمام مناصري ما بعد الحقيقة (Post-truth) لإعادة تركيب المشهد السياسي باختلاقات وتبريرات أيديولوجية أتتْ أُكُلَهَا عام 2016. ويبقى التساؤل قائمًا عمّا يحجبه هذا العداء بين الجمهوريين والرئيس أوباما، وهل ما إذا كان الخلاف حول السياسات العامة، أم إنّ له امتدادات أخرى نحو الخشية من التحولات الاجتماعية وتداخل ألوان جديدة في تركيبة ملامح الهوية القومية.
ونتيجة لذلك، ازداد قلق الطبقة المتوسطة البيضاء من تراجع قوتها الاقتصادية ومركزها الثقافي والاجتماعي، وأيضًا من النمو الديمغرافي للأقليات، خاصة اللاتين (Hispanics) الذين سيصبحون الأغلبية الجديدة بحلول عام 2025. فظهر ترامب يلوّح بأنّه زعيم لحركة “ثورية تصحيحية” للنظام الرأسمالي الأمريكي من خلال الجمع بين الانعزالية السّياسية والحمائية الاقتصادية، ومبشّرًا بإعادة الولايات المتحدة إلى سابق قوتها العسكرية وهيبتها في العالم، حتى وإن أبدى العداء لأمم أخرىكما يراها عقله المدبّر ستيف بانون. كما أنه يعمد إلى توشية سردياته المتكرّرة بحمولة إيديولوجية يلوّح بريقها باستعادة المركز الاجتماعي والقوة الاقتصادية للبيض دون الاكتراث بوضع الأقليات العرقية والدينية في الداخل.
المواقف الرئيسية لترامب والتي ساهمت بايصاله للبيت الابيض
يمكن اختزال قوة الدفع في وصول ترامب إلى البيت الأبيض إلى ثماني مواقف رئيسية لا زال ترامب يردّدها في سائر خطبه وتصريحاته حتى الان وهي :
1. حماية الأمن القومي الأمريكي من التهديدات الإرهابية إلى حدّ تضخيم الهاجس الأمني في الداخل والخارج دون وجود تهديدات حقيقية.
2. صدّ باب الهجرة أمام اللاجئين السوريين خشية انتماء بعضهم إلى داعش، وضرورة احتواء انتشار ما يسميه “الإرهاب الإسلامي الراديكالي”.
3. استخدام أساليب التّعذيب والاستنطاق (ومنها محاكاة الغرق ضد المشتبه في أن لهم علاقات مع جماعات إرهابية) إلى أبعد ما استخدمته حكومة جورج بوش الابن.
4. ضرورة تشييد جدار عازل بين الولايات المتحدة والمكسيك لمنع الهجرة غير الشرعية.
5. تطوير قدرات الجيش الأمريكي بما يفوق قوة أي دولة أخرى ويكفل له الهيبة والخشية من جبروته في العالم. وقد طلب بالفعل من الكونغرس اعتماد زيادة 54 مليار دولار في ميزانية وزارة الدفاع لعام 2018، رغم أن الميزانية العسكرية الأمريكية التي تبلغ حاليًا قرابة 600 مليار دولار تفوق ميزانيات كل من روسيا والصين واليابان والهند والسعودية وفرنسا وبريطانيا مجتمعة.
6. العزم على فرض إجراءات وتعريفات جمركية على الشركات الأمريكية التي تنقل مصانعها إلى الخارج لدواعي توفير أجور اليد العاملة، وأيضًا على الصادرات المكسيكية واليابانية والصينية.
7. اعتبار الاتفاق النووي مكسبًا لحكومة طهران، بسبب ما يعتبره “ضعفًا” في المسلك التفاوضي لحكومة الرئيس أوباما.
8. العزم على إيقاف التمويل الأمريكي لحماية الأمن القومي لعدة دول حليفة، كدول الخليج واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية.
لا غرابة أن هذه المواقف التي استمالت تأييد مناصريه (وخاصّة المندوبين الثلاثمائة وستة من أصل خمسمائة وثمانية وثلاثين من أعضاء الكلية الانتخابية يوم الاقتراع)، تستند إلى مرجعية فكرية يتمسك بها ستيف بانون مهندس الترامبية والمنادي بالقومية الاقتصادية. ويلاحظ البعض أن بانون وترامب “كانا يمهّدان الطريق لكي يقود البيت الأبيض القومية الاقتصادية والشعبوية. وهذه ليس فكرة محافظة، بل هي أمر خطير جدًّا”
. ومن هذا المنطلق، يمكن تفكيك الترامبية كفلسفة سياسية أوصلت اليمين المتطرف إلى الحكم في أقوى دولة ديمقراطية في العالم إلى ستة أضلاع أساسية على النحو التالي :
======================
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار امريكا اولا (10)
دراسة / الحلقة الثالثة
1. العدمية ومعاداة النخبوية
ما هي مكونات الفلسفة الترامبية اليمينية المتطرفة
على ضوء ما تقم في البوست رقم 9 المنشورعلى هذه الصفحة ، يمكن تفكيك الترامبية كفلسفة سياسية أوصلت اليمين المتطرف إلى الحكم في أقوى دولة ديمقراطية في العالم إلى ستة أضلاع أساسية:
1. العدمية ومعاداة النخبوية (Nihilism and anti-elitism)
تمشيًا مع خيبة الأمل ومشاعر الإحباط بين فئات واسعة من الأمريكيين بسبب التراجع الاقتصادي وتقلص الدخل الفردي خلال السنوات العشر الماضية، لوّح ترامب مرارًا باتهام سلفه أوباما بالتراجع الشامل للولايات المتحدة سياسيًّا واقتصاديًّا واستراتيجيًّا في وجه الأمم الأخرى، وأنّ واشنطن غير قادرة على مواجهة تلك التحديات، وإنْ كان أوباما قد نجح في تقليص معدل البطالة من 10 في المائة عام 2009 إلى 5 في المائة عام 2016، وسط مؤشّرات متزايدة على تعافي الاقتصاد الأمريكي من أعراض الأزمة المالية عام 2008. والمثير أن الرؤية التشاؤمية لدى مؤيدي ترامب تشكل على ما يبدو طبقة رمادية تحجب عنهم الرؤية عن قرب وبشكل موضوعي إلى تلك الإنجازات ومناقشة ما لها وما عليها، بعيدًا عن الألوان القاتمة التي يسقطها ترامب على واقع أمريكا. وقال عن مناصريه إنهم يريدون “من يستطيع أن ينفخ النظام الحالي إلى الجحيم”.
تشكّل هذه العدمية أيضًا حسب تصوير ترامب أكبر تهديد للحزب الجمهوري، بالنظر إلى أنه أقحم المشرعين الجمهوريين في الكونغرس فيما يعتبره “مؤامرة مدبّرة” ضد مصالح الطبقة المتوسطة. لكنه لا يقدم خطة بديلة، بل مجرد سرديات عامة متناثرة هنا وهناك دون حبكة متكاملة أو رؤية عميقة النظر. لقد كتب ترامب مبرراً توجهه الشعبوي الصارخ أنّ “الترياق الوحيد لعقود من الحكم المدمرة من قبل حفنة صغيرة من النخب هو ضخّ جرعة من الإرادة الشعبية الجريئة، في كل قضية رئيسية تؤثر على الدولة… لأنّ الشّعب على حقّ والنخبة الحاكمة دائمًا على باطل”[11].
ويتمادى ترامب في اتهام المؤسسة (establishment)، كناية عن واشنطن بما فيها البيت الأبيض والكونغرس بخيانة الطبقة المتوسطة، ويدّعي أن نظام الرعاية الصحية الذي يعدّ أحد أهم إنجازات الرئيس أوباما ينطوي عل تقييد حرية الأمريكيين في اختيار أطبائهم، وأنه أصبح عرضة لمساومات شركات الخدمات الصحية وصنع الأدوية. وحتى نجاح الرئيس أوباما في طيّ صفحة العداء والمواجهة مع إيران بعد الاتفاق النووي التي تم التوصل إليه في يوليو/ تموز 2015، وبدء علاقات جديدة مع كوبا، واتفاقية التعاون عبر المحيط الهادئ المبرمة في فبراير/ شباط 2016 بعد سبع سنوات من التفاوض، تظل عرضة للانتقاد والاستخفاف من قبل ترامب الذي يعتبرها مكسبًا للدول الأخرى وليس للولايات المتحدة.
يواصل ترامب السّخط أيضًا على النخبة المثقفة ومنها وسائل الإعلام، التي يشن عليها حربًا ضروسًا مفتوحة من أجل تفادي المساءلة والروح النقدية، إلى جانب تهجّمه الشخصي على بعض مشاهير هوليوود الذين انتقدوا تصريحاته العنصرية والمسيئة لعدة شخصيات ومؤسسات. ومن هذه الزاوية، يمكن تعقب الخيط الرفيع بين عدمية ترامب وعدائه للنخب وتبنّيه الشعبوية لغة وتفاعلاً مع مؤيديه وتبريرًا لقراراته السياسية في البيت الأبيض، وهي شعبوية لا تقبل محاسبة الحاكم ولا التفكير التنويري الذي تكرّسه وسائل الإعلام والجامعات ومؤسسات المجال العام كافة التي لا تدور في فلك السلطة، وتصرّ على دحض الحقيقة من أجل الدفاع عن “ما بعد الحقيقة” و”الوقائع البديلة”.
يقول الكاتب اليساري كريس هيدجز (Chris Hedges) إنّ الغوغائيين يسخّرون قدرًا كبيرًا من طاقتهم نحو التهميش وفرض الرقابة وإسكات جميع المنتقدين، وهو ما قامت به الدولة التي تخدم مصالح الشركات بالفعل إزاء المنشقين مثل نعوم تشومسكي ورالف نادر. “إنهم يستخدمون وسائل الإعلام، خصوصًا وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، كقسم علاقات عامة واسعة من أجل تضخيم أكاذيبهم وتعزيز منطق الطائفة التي تتمحور حول شخصانية قائدها. هم يدمرون المؤسسات الثقافية والتعليمية، ويستبدلونها بمؤسسات التدريب المهني، الفن القومي الهابط والترفيه الرخيص”[12].
-----------------------------------
===============================
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار امريكا اولا (11)
دراسة / الحلقة الثالثة
2 - دونالد ترامب.. إمبرطورية عقارية عملاقة بأموال ألمانية
--------------------------------
من أين يقترض دونالد ترامب المال؟ في ألمانيا بلد أجداده. دويتش بنك الألماني أعاره 2.5 مليار دولار أمريكي. لكن علاقة ترامب مع الجهة المانحة للقروض مضطربة.
أجداد دونالد ترامب ينحدرون من ألمانيا، وبالتحديد من بلدة كالشتات الصغيرة المعروفة بزراعة العنب بالقرب من مدينة باد دوركهايم. وعندما يكون الملياردير بحاجة إلى مال، فإنه يستعيره في ألمانيا.
فتمويل مبادرات ترامب يستند إلى أموال ألمانية مستعارة من أكبر مؤسسة مالية ألمانية، أي دويتش بنك الألماني. فالبنك أقرض المستثمر العقاري ومرشح الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب أموالا كثيرة.
ارتباط صفقات يتجاوز 20 عاما
أعمال ترامب الاقتصادية مع البنك الألماني انطلقت في 1995. حينها اشترى عقارا كان يود اقتناءه منذ مدة: ناطحة سحاب معروفة سابقا تحت اسم „The Bank of Manhattan Trust Building".
هذا المبنى المشيد في 1930 والمعزز بسقف من النحاس كان تحفة هندسية وأعلى مبنى في العالم. كما أنه يقع بالقرب من بورصة نيويورك ـ يعني موقع جيد. ولشرائه اقترض ترامب حينها 125 مليون دولار (نحو 112 مليون يورو) من البنك في فرانكفورت. ومنذ تلك اللحظة أبرم الطرفان سلسلة من الصفقات. ففي 2003 ساعد البنك ترامب في مشروع الكازينو الموجود في أتلانتيك سيتي بمبلغ سخي قيمته 468 مليون دولار. الصفقة آلت في ذلك الوقت إلى الإفلاس. وفي 2005 اقترض ترامب من البنك 640 مليون دولار لشراء فندق International Hotel & Tower في شيكاغو. وكان البنك الألماني مهتما جدا بالرسوم المستحقة عن ذلك والتي بلغت 12 مليون دولار. ولم يدخر ترامب من جانبه جهدا، واستضاف المصرفيين ووضع طائرته الخاصة تحت تصرفهم للسفر إلى شيكاغو ليعرض عليهم مخططات مشروعه.
جانب من بلدة كالشتات التي ينحدر منها أجداد ترامب
إلى أن نفذ المال لدى "الدونالدي"
فمن جهة صفقة شيكاغو كانت لترامب وأيضا للبنك مشروعا كبيرا يعكس صفقة جيدة، ومن جهة أخرى هي التي تسببت في خصومة الشركاء.
فطبقا لـصحيفة "وال ستريت جورنال" لم يقدر ترامب على تسديد 334 مليون دولار من القرض، لأنه كان يعاني بسبب أزمة العقار الأمريكية من "ضيق في السيولة". وعوض أن يدفع لجأ ترامب إلى مقاضاة البنك الألماني. وعلل الخطوة بأن الأزمة المالية نتاج "لسلطة عالية"، وبالتالي يحق له الحصول على دعم مالي.
ورفع دعوى ضد البنك الألماني مطالبا إياه بدفع 3 مليارات دولار، لأن معايير منح القروض من جانب البنك هي التي أدت إلى الأزمة التي عانى من تبعاتها. في المقابل قاضته المؤسسة المالية الألمانية ليدفع رجل أعمال العقار 40 مليون دولار تعهد بسدادها كضمانة.
عندما يتربص مصرفيون بصفقة...
وقد تصالحت الديكة المختصمة فيما بينها لاحقا، إلا أن العلاقة ظلت متأثرة. والكثير من المسؤولين في البنك الألماني باتوا يعتبرون ترامب "شخصية غير مرغوب فيها"، لكن إدارة خدمات الزبائن في البنك احتفظت بأذن صاغية لأفكاره التجارية.
والصفقة الضخمة التي تحققت مع رجل أعمال العقار كانت في عام 2012 بمنحه قرضا بقيمة 950 مليون دولار من فرانكفورت لتمويل اقتناء ناطحة السحاب بشارع Avenue of the Americas، وهي عنوان ذو صيت في نيويورك.
معروف بالمجازفة
ويصل المبلغ الإجمالي لقروض البنك الألماني لصالح دونالد ترامب إلى 2.5 مليار دولار، دون احتساب مليار دولار إضافي من القروض الموعودة.
والبنك الألماني ليس فقط المانح الأكبر لترامب بل إنه المانح الوحيد. فكما ذكرت صحيفة "وال ستريت جورنال" تخلت غالبية البنوك الأمريكية، بينهاCitigroup و JP Morgan Chase عن إقامة علاقات تجارية مع رجل الأعمال من نيويورك. فدونالد ترامب ليس معروفا فقط بنجاحاته، بل أيضا من خلال سلسلة من الإخفاقات، بما يشمل أيضا أفعاله التجارية غير المعتادة.
===================
13
3 - الشعبوية: مدخل ترامب إلى العمق الأمريكي
الرئيس دونالد ترامب هو الرئيس «الخامس والأربعون»، ببلغ من العمر 70 عاماً، هو تاجر عقارات كبير، وهو من خارج المؤسّسات والنّخب التقليدية والسياسية الأمريكية، وقد استطاع من خلال استخدامه خطابا شعبويا دغدغ عواطف الفئات المهمّشة والأكثر فقراً في المجتمع، كما اصاب عواطف بعض مجتمع الطبقة الوسطى ، ومعظم المتضرّرين من الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة عام 2008،
اتسمت مواقف ترامب بشعبويتها مثل تخفيض الضرائب و زيادة الصرف على البنية التحتية ومواقف أخرى مما أدى إلى زيادة شعبيته بين الناخبين. وجعله يكسب الانتخابات وحصوله على 306 أصوات، في حين حصلت منافسته هيلاري كلينتون على 218 صوتا .
ما هي الشعبوية
ولا بد هنا من تعريفالشعبوية حتى تكون الصورة واضحة وجلية
الشعبوية هي الفكر السياسي الذي يستخدم في الخطاب السياسي ويصاغ بلغة الشارع فيدغدغ عواطف ومشاعر الناس ، فيحظى بتاييدهم فتدب بهم الحماسة والتاييد لهذا الموقف اوذاك ، او الرفض والمعارضة لموقف من هنا او هناك حسب رغبة الخطيب الشعبوي ..
وترتبط الشعبوية اليمينية في العالم الغربي عموما بأيديولوجيات مثل القومية الجديدة، ومناهضة العولمة، الأهلانية، الحمائية ومعارضة الهجرة،والضمان الاجتماعي ، وفرص العمل ، وخفض الضرائب .
وقد اتقن ترامب فنون الخطاب الشعبوي بجدارة بل كان هو الخيار الوحيد له كونه محدود الثقافة السياسية ، وهو الذي قال إنّه لا يُطالع لا الكتب ولا الصّحف، وإنما يستمدّ معرفته بالشؤون الدولية من خلال متابعة بعض البرامج الإخبارية على شاشة التلفزيون. وثانيهما المستوى الدراسي والمعرفي لجلّ مؤيديه الذين لم يدخلوا الجامعة ولم يحصلوا على شهادات متقدمة.
وقد أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية فجوة مذهلة بين المقاطعات الريفية في عمق أمريكا، حيث اختار 90.5٪ من الناخبين ترامب في حين لم يؤيد كلينتون سوى نسبة 9.5٪ منهم. بينما كان لمستوى التحصيل العلمي أثر عكسي في المحافظات التي حصلت نسبة 50٪ من مجموع السكان فيها على درجة البكالوريوس، فأيدت نسبة 79.1٪ منهم كلينتون مقابل 20.9٪ لترامب.
ومن المفارقات المثيرة تدنّي الخطاب السياسي لدى ترامب بموازاة نظرة مؤيديه إلى استخدامه اللغة البذيئة أحيانًا، “إذ يبدو الأمر منعشًا لهم بتناقضها مع المصطلحات الشائعة والحديث المزدوج والأكاذيب غير المحتشمة والتي تعوّدنا على سماعها من رجال السياسة، لكن ترامب الذي يقدم نفسه على أنه “رجل الشعب” يحاول من خلال أسلوبه غير اللبق أو المهذب أن يبدو واحدًا “منّا نحن” وليس “منهم”. وفي نظر الكثيرين، تكمن البذاءات الحقيقية في مكان آخر ضمن نطاق التابوهات أو المحظورات التي تنشأ من العنصرية والتمييز”.
يقول كاس مود (Cas Mudde) وروفيرا كالتواسر (Cristobal Kaltwasser) في كتابهما الشعبوية: مقدمة مختصرة جدًّا (Populism: A Very Short Introduction):
“يميل الشعبويون إلى تعريف المواطنين على أساس أنّهم في صفهم”. وعلامة الشعبوي ليست في أي من المجموعات الخاصة التي يدرجها ضمن مفهوم “الشعب” أو “المؤسسة”. هو في الواقع “يقسّم العالم إلى تلك المعسكرات المتحاربة في المقام الأول”[14]. ولا تحيد استراتيجية ترامب في هذا النطاق عن الخط العام للشعبوية كأيديولوجية تقوم على “تجييش الأفراد المتجانسين ضد مجموعة النخبة، واعتبار من يشملهم تصنيف “الآخرين” خطرين من خلال التلويح بأنهم حرموا أو يحاولون حرمان الشعب ذي السيادة من حقوقه وقيمه ورفاهيته وهويته وصوته”.
ويتمسك الشعبويون بالدعوة إلى الانقسام وليس إلى الوحدة. هم يقسمون المجتمع إلى “مجموعتين إحداهما متجانسة والأخرى عدائية: من جهة أولى، الشعب النقي ومن جهة أخرى، النخبة الفاسدة”، ويقولون إنهم يسترشدون بـ”إرادة الشعب”. وفي نظر علماء السياسة، تبقى الولايات المتحدة “ديمقراطية ليبرالية”، وهي نظام “قائم على التعددية على فكرة أن لديك مجموعات مختلفة لديها مصالح وقيم مختلفة، وكلّها مشروعة”. بيد أن الشعبويين في المقابل ليسوا دعاة التعددية، يعتبرون المجتمع مجرّد مجموعة واحدة تتمتع بالشرعية بغضّ النظر عما يعنونه بلفظ “الشعب”.
وكثيرًا ما لوّح ترامب بأن حملاته الانتخابية جسدت حركة اجتماعية للتغيير، وأنه حصل على “تفويض” من مؤيديه لتنظيم حملة انتخابية “شعبوية نارية”، والاعتماد على مسيرات صاخبة لحشد الدعم من خلال ما تتناقله الأفواه عنه بدلاً من تبني النهج التقليدي الأكثر نضجًا وشمولية في الحملات الانتخابية.
إلا أنّ تصوير ترامب لهذه الانشطارية بين “نحن” و”هم” ليست عفوية أو بريئة، بل تعكس منحى آخر من مناحي التسخير أو الاستغلال الأيديولوجي لخطاب الشعبوية، في تضخيم الانطباع العام بشأن الهوّة الفعلية أو المفترضة بين النخبة السياسية في واشنطن وعامة الشعب الامريكي على امتداد القارة. وهي
غير أن ترامب يتمسك بما يعتبره براغماتية فعالة لتحقيق وعوده الانتخابية. فقد جسّدت خطب المرشح ترامب أمام مناصريه، وأيضًا الرئيس ترامب، احتفالية بدعواته للتعصّب ضد اللاتين والمسلمين والسّود والنساء وبقية الأقليات، وحتى المعاقين ومراسلي وسائل الإعلام. وشهدت أحيانًا التحريض على العنف اللّفظي والجسدي ضد النّشطاء المعارضين له ضمن قالب الفرجة السياسية الترفيهية
===================
اتابع اليوم الاحد عرض فصول الدراسة
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار امريكا اولا (14)
دراسة / الحلقة الثالثة
5 - الانعزالية والحمائية: طوق النجاة الموعود
==================================
في ظلّ النظرة السّوداوية المفتعلة بشأن وضع الولايات المتحدة في العالم، يمتد القلق من تنامي قوة “الآخر” في نظر مؤيدي ترامب إلى المناداة بتكريس الانعزالية السياسية والحمائية الاقتصادية إزاء الدول الأخرى. وتستمد هذه الانعزالية فحواها من خطاب شهير ألقاه وزير الخارجية الأمريكي جون كوينسي آدامز عام 1821 عندما قال: “إن أمريكا لا تذهب إلى الخارج بحثًا عن تدمير الوحوش. إنها هي التي تتمنى الحرية والاستقلال للجميع، وهي البطلة والمدافعة عمّا يهمّها بنفسها”[17].
وفيما تشكل الصين سوق الاستيراد الرئيسي للولايات المتحدة قبل كندا والمكسيك، يقول ترامب إنها “أكلت غذاءنا وهي تمصّ دم الولايات المتحدة”. ويلوّح مرارًا بقدرته على لوي ذراع تلك الدول بقبول منتجات وسلع أمريكية بنفس القيمة في أسواقها، وأنه سيغرّم الشركات الأمريكية التي تفتح معامل في الخارج بضريبة قد تصل إلى نسبة 45 في المائة إذا أرادت عرض منتجاتها داخل أمريكا.ومن هذا المنطلق، قرر ترامب أيضًا التحلّل من عضوية الولايات المتحدة في اتفاقية دول المحيط الهادئ (TPP)، فيما يظل سيفه مسلّطًا على عنق اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك(NAFTA). ويتضح الوجه الآخر لهذه الحمائية في دعوته للتصدي للفارق في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والدول الأخرى، مثل اليابان والصين والمكسيك التي تتدفق مصنوعاتها من السيارات أو منتجاتها الزراعية إلى السوق الأمريكية.
وتجد هذه الدعوة للحمائية الاقتصادية صدى كبيرًا بين أغلب مؤيديه ممن فقدوا وظائفهم منذ الأزمة المالية عام 2008 أو يساورهم القلق؛ بسبب تنامي مدّ نقل مصانع الشركات الكبرى إلى دول أخرى بسبب تدني أجور اليد العاملة هناك. ويقول كارسن هولووي إنّ المحافظين يفضلون الأسواق الحرّة. وفي الوقت ذاته، “يتعين عليهم الإقرار بأن مسألة إلى أيّ حدّ ينبغي أن تحافظ السياسة التجارية على بعض الصناعات داخل الولايات المتحدة هي مسألة تنم عن الحذر، وأنه لا يمكن تسويتها من خلال دعوة مبدئية لما تقتضيه التجارة الحرة من ضرورة قصوى”[18].
يبدو أن أهمّ ما يحرّك ترامب في تصريحاته وقراراته المثيرة للجدل هو نرجسية الرجل القوي، الذي يعتقد أن من الممكن تحويل قدرته على إبرام الصفقات المالية والتحايل على الطرف الآخر إلى التوصل إلى صفقات سياسية والتعالي على رؤساء الدول الأخرى، كما حدث خلال اتصالين هاتفيين مع رئيس وزراء أستراليا ومع رئيس المكسيك بسبب الخلاف حول من سيدفع تكاليف بناء الجدار على حدود البلدين بحوالي 21 مليار دولار.
ولا غرابة أن يدفع ترامب باتجاه وضع العلاقات الدولية على مسار انفرادي للتعامل مع كل دولة على حدة، على طريقة التفاوض في إبرام الصفقات المالية. كما تكشف المباحثات الراهنة بين حكومة ترامب في واشنطن وحكومة تيريزا مي في لندن. ومن أخطر ما يتّسم به الرئيس ترامب في التعامل مع الدول الأخرى هو ميوله إلى الارتجالية والمزاجية إلى حدّ يؤرّق الكثيرين حتّى بين مستشاريه. والأمر المثير الآخر هو عزمه التمرّد على شتى المنظمات والتحالفات الدولية التي يعتبرها عبثية مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
يتعزز التمسك بالانعزالية السياسية والحمائية الاقتصادية أيضًا باعتقاد مؤيدي ترامب أن “الحزب الجمهوري، وربما الحزب الديمقراطي أيضًا، كانا يسعيان لخدمة المصالح الاقتصادية للفئات العاملة في وقت من الأوقات، لكنهم اليوم لم يعودوا يؤمنون بذلك، بل يشعرون أنهم ليسوا محرومين فحسب، بل إنهم أيضًا تعرّضوا للتضليل والتلاعب من قبل الحزبين. وهم يردّون الآن ولأسباب جلية بمواقف الغضب”[19]. ولا يفكر هؤلاء المناصرون لترامب مليًّا في أن هذه السياسة الحمائية ستأتي بعواقب سلبية على حركية الاقتصاد ونمو دخلهم الفردي، بفعل ارتفاع الأسعار نتيجة التعريفات الجمركية المرتقبة.
تنطوي دعوة ترامب للحمائية الاقتصادية على هدف استعادة المجد الضائع للطبقة المتوسطة، وتراجع وزنها الاقتصادي والثقافي منذ الأزمة المالية عام 2008. وهو يقول: “أنا صوتكم” ولم يعد لديّ “صبر على الظلم ولن أتسامح مع عدم الكفاءة لدى الحكومة أو أتعاطف مع القادة الذين يفشلون في تحقيق آمال مواطنيهم”[20]. ويدّعي ترامب أنه “رجل تسوية المشاكل بامتياز”، وأنّ لديه “بعض القوى المقدّسة أو السحرية”، إذ يقول: “دخلت الساحة السياسية حتى لا يواصل الأقوياء قهر الشعب الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه”. ويشدد على أن “لا أحد يعرف النظام القائم أفضل مني، وهذا ما يفسر لماذا أكون الوحيد القادر على تسوية تلك المشاكل”[21].
=====================
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار" امريكا اولا " (15)
دراسة / الحلقة الثالثة
6 - معاداة المهاجرين الجدد وصناعة الآخر
تمثل معارضة الهجرة غير الشّرعية إحدى لبنات الترامبية، وهي معارضة تحمل في طياتها عدم ارتياح أغلب المحافظين اليمينيين من تزايد أعداد المهاجرين بمعدل مليون شخص كل عام في الولايات المتحدة. ونجح ترامب في تطبيع خطاب عنصري ضدّ المهاجرين سواء كانوا من العمال القادمين من المكسيك أو الفارين من ويلات الأزمة السورية، تحت دواعي الخشية من وجود عناصر متطرفة أو جهادية بينهم. ولم تستقبل الولايات المتحدة سوى 1400 من اللاجئين السوريين فيما استقر قرابة تسعمائة ألف منهم في ألمانيا خلال عام 2015.
ولا يتردّد ترامب في تفضيل التركيبة الاجتماعية المتحدّرة من أصول أنجلوسكسونية قبل تدفق المهاجرين في أوائل القرن العشرين، أي إلى مرحلة ما قبل التعددية أو ما يسمى “البوتقة الثقافية” في أمريكا. وينم شعاره المنادي “باستعادة عظمة أمريكا” عن الرغبة في التمسّك بفكرة الاستثناء الأمريكي، وهو يمثل بالنسبة له استثناء أمريكا البيضاء وليس أمريكا بكل ألوان قزح التي أضافتها الأقليات.
اعتمد ترامب ورقة رابحة من خلال التلويح بالنموذج الاجتماعي، ووضعه مرة أخرى في التداول السياسي عام 2016 كبادرة للتضامن مع طرق التفكير القديمة بشأن “الأغلبية الصامتة” و”الأمريكيين المنسيين”. ورغم أنه تحدث عن “الرجل والمرأة” في خطاب الفوز، فإنه خلال حملته الانتخابية جيش مناصريه بالصورة الإيحائية ذاتها التي أنعشت في السابق ائتلاف روزفلت تحت شعار الدفاع عن مصلحة “الرجل الأبيض العامل المنسي”[25].
تقترح بيفرلي كيج (Beverly Cage) أستاذة التاريخ في جامعة ييل ملاحظة مثيرة حول مركزية هذه الفئة الاجتماعية، وتقول إن “هذه الفكرة السياسية الأساسية التي تفيد بأن شريحة واسعة من المواطنين البيض في الولايات المتحدة تم تجاهلها أو لقيت معاملة الاحتقار هي التي من دفع قدمًا بكل تعديل رئيسي في السياسة الأمريكية منذ الصفقة الجديدة”[26].
وتمتد خيوط التقارب قوية بين خطاب ترامب وفلسفة حركة الشاي. وهي تعكس وجود مناخ ذهني واجتماعي ملائم مسبق، مهّد لتنصيب ترامب نفسه زعيمًا لهذا التيار المنادي بفرض قيود على الهجرة غير الشرعية بشكل علني والهجرة عمومًا بشكل ضمني. وهي أيضًا إحدى السرديات الرئيسية عند ظهور حركة الشاي من رحم الحزب الجمهوري عام 2009، على أيدي محافظين إلى أقصى اليمين أرادوا أن يصبح الجمهوري أكثر معارضة للمهاجرين وأكثر حمائية بما يقترب من حد الانعزالية، بسبب التشكيك في “مخاطر” الهجرة والتجارة الحرة والتدخل العسكري في بؤر الصراع في العالم.
والملاحظ أن ترامب الذي يتحدّر من أسرة ألمانية كانت تعرف باسم درامبف (Drumpf)،لا يشير أبدًا إلى تجربة أسلافه مع الهجرة من أوروبا عندما عبروا المحيط الأطلسي نحو الولايات المتحدة عام 1885. كما أنه لا يتحدث عن تجربته أو معاناته مع تحقيق الحلم الأمريكي على غرار بقية الأمريكيين، أو تجربة والده الذي حقق ثروة مهمة في تشييد مبان سكنية لمحدودي الدخل في ضاحية بروكلين، من خلال التعاقد مع بلدية نيويورك في النصف الأول من القرن العشرين.
يعتمد ترامب سياسة الهوية وصناعة الآخر إلى حدّ أن سائر الأقليات تدخل في مصاف “الآخر”؛ لأنه عندما ينادي بضرورة استعادة عظمة أمريكا، فإنه عمليًّا يريد استعادة الصفاء الأبيض أو أمريكا البيضاء ذات الأصول الأوروبية. وهو يسعى إلى تعميق الهوّة بين “الأنا” الإيجابي و”الآخر” السلبي، واستغلال تفجيرات باريس وكاليفورنيا وبروكسل في وصم الإسلام والمسلمين بتهم التعصّب والتطرّف وتقويض مقوّمات الحضارة الغربية، ليؤجج بذلك حدة المواجهة في ملحمة ما يعرف بصدام الحضارات.
ولا عجب أن يستقي ترامب ومن قبله ستيف بانون أفكارهما من أطروحة صامويل هنتنغتون لتبني فرضية اقتراب حقبة “الصراعات الحضارية” في القرن الجديد. وقد أشار هنتنغتون في مقاله المنشور عام 1993 إلى “الحدود الدموية” بين الحضارات الإسلامية وغير الإسلامية. يقول: “هذه ليست الدعوة إلى الرغبة في الصراعات بين الحضارات، بل تقديم فرضية وصفية إلى ما قد يكون عليه المستقبل”.
أما بشأن حملة ترامب ضد المهاجرين غير الشرعيين خاصة القادمين من دول أمريكا اللاتينية أو خطاب الهيسبنافوبيا (Hispanophobia)، فهو ينطلق أيض من الخلفية الفكرية ذاتها التي نظّر لها هنتنغتون في كتاب آخر بعنوان من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأمريكي (Who Are We? The Challenges of America’s National Identity) نشره عام 2004 بعد فترة قصيرة من هجمات 11/9. حاول هنتنغتون ضرب ناقوس الخطر من أجل تبني سياسة حاسمة في سياق الأمن القومي وتركيبة الأمريكيين بين “نحن” (الأغلبية البيضاء)، و”هم” (سائر الأقليات العرقية والدينية المتنامية في الولايات المتحدة).
يجسّد ترامب في أعين مؤيديه بطلاً لسياسة الهوية والتي يعتمدها معيارًا في تعاطفه مع فئة الواسب، ومعاداته شتى الأقليات التي أصبحت تهدد القوة الاقتصادية والمركز الاجتماعي والنفوذ الثقافي، اللذيْن كانا حكرًا على هذه الفئة البيضاء خلال حقب التاريخ الأمريكي الحديث. ويشير كيم هولمز (Kim Holmes) إلى أن ترامب وأنصاره يعتبرون أنفسهم محميين من الانتقاد “ليس بفضل قوة آرائهم، بل بسبب الخصائص المميزة “لمن هم” كفئة ذات هوية معينة تقيم الفوارق بينها وبين الفئات الاجتماعية على أساس ما لديها من شكاوى وتظلمات. وعلى الرغم من أن سياسة الهوية نشأت بين المنظرين الليبراليين على الشق المقابل من المعترك السياسي، فإن مؤيديه يعتمدونها في تصوير أنفسهم على أنهم الضحية”[27]
=========================
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار" امريكا اولا " (16)
دراسة / الحلقة الثالثة
7. دغدغة المشاعر القومية تحت غطاء الرّوح الوطنية
-------------------
تعهّد المرشّح ترامب بأن “أمريكا أوّلاً ستكون الموضوع الرئيس والأهمّ لدى إدارتي. ولكن لرسم طريقنا إلى الأمام، يجب علينا أولاً، للحظة، أخذ نظرة إلى الوراء. لدينا الكثير مما يستحق أن نفتخر به”[28]. وبعد أشهر قليلة، صرّح الرئيس ترامب في خطابه عن حالة الاتحاد أمام مجلسي الكونغرس: “أنا أمثّل الولايات المتحدة، ولا أمثّل العالم”.
هكذا تنطوي الخطب الحماسية لترامب على مفارقة مثيرة حينما تثير تصريحاته الشعور بالروح الوطنية المشتركة، وهي روح وطنية تتغذى على الشعور بالهوية المشتركة والتفكير الجماعي والتضامن، وتضخ الشعور بالانتماء إلى فئة اجتماعية يقودها زعيم قوي. ثم تتحوّل تلك الروح الوطنية نفسيًّا وذهنيًّا إلى حبّ الذات الفردية لدى ترامب وحب الذات الجماعية لدى الجمهور، كإحدى “القيم النبيلة” التي يتعين الدفاع عنها ضمن حملته على الكثير من المحظورات السياسية والاجتماعية، على الرغم أنها من تجليات تضخم النرجسية لدى “جيل الأنا” الذي يمثله ترامب.
تقول روث ووداك إن القوة هي “علاقات الاختلاف وخاصة بشأن آثار الاختلاف في البنى الاجتماعية. والوحدة الثابتة في اللغة والمسائل الاجتماعية الأخرى تضمن أن اللغة تتشابك مع السلطة الاجتماعية من خلال عدد من الطرق: اللغة تعمل بمثابة فهرس للقوة، فهي تعبر عنها، وتشارك معها عندما يقوم خلاف أو تحد للقوة… توفر اللغة وسيلة محاكاة بدقة عن الاختلافات في مستوى القوة ضمن الهياكل الاجتماعية الهرمية”[29].
تدريجيًّا، تنتقل تلك الروح الوطنية إلى مسار القومية التي يؤججها ترامب بالدعوة إلى الفخر الجماعي لهذه الفئة الاجتماعية، ويُوشيها بميول شوفينية معادية للمهاجرين والمسلمين وسائر الأقليات. وعلى هذا المنوال، يستثمر ترامب في توظيف الروح الوطنية في خدمة نزعته القومية غير المعلنة. قد يبدو ترامب ظاهريًّا في أعين مناصريه على أنه زعيم وطني يريد حماية أمن بلاده وتعزيز إجراءات الأمن على حدودها، ويصبو إلى استعادة مكانتها كأكبر قوة عظمى في العالم. لكن التدقيق في تصريحاته ومواقفه المعلنة يكشف أنه يتحرك عبر منطقتين منفصلتين ويمزج بين رؤيتين مختلفتين: الروح الوطنية (Patriotism)، والقومية (Nationalism).
يقول يورجن هابرماس (Jürgen Habermas) إنّ “اللغة وسيلة أخرى للهيمنة والقوة الاجتماعية، إذ تساهم في إضفاء الشرعية على علاقات قوة منظمة… واللّغة أيضا تكريس أيديولوجي”[30]. ويمكن تعقب أصل هذه الرؤية النقدية إلى الثلاثينيات من القرن العشرين، وإلى مرحلة قيام النظرية النقدية لدى مثقفي مدرسة فرانكفورت التي شجعت الباحثين المعاصرين على تحديد الأيديولوجيا في الخطاب وعزلها عند التحليل، وإظهار “كيف أن الأيديولوجيا والعمليات الأيديولوجية تنعكس كأنظمة للخصائص والتحوّلات اللسانية”[31].
ومما يزيد في الطين بلة أنه يجمع بين البعد القومي والبعد السلطوي في خطبه،إلى حد أنه أصبح يؤرق الكثير من المراقبين الذين يتساءلون: هل أصبحت الديمقراطية الأمريكية حبلى بمولود فاشي. ووفقًا لما لاحظه كريس هيدجز من خلال مقابلاته مع عدد ليس بالقليل بالزعماء القوميين في العالم،”يعزز الغوغائيون عادة ذهان الحرب الدائمة؛ مما يؤدي في الغالب إلى حرب فعلية. ويصبح ذهان الحرب الدائمة أداة لإلغاء الحريات المدنية وإدانة المعارضة بالخيانة. وينظر الغوغائيون إلى اعتماد نفقات ضخمة للجيش امتدادًا لقوتهم الشخصية، في حين تضمحل بقية مؤسسات البلاد. ليس هناك شيء يحبه الغوغائي أكثر من استعراض عسكري كبير”[32].
لذلك، يتعين التمييز بين قيم الروح الوطنية التي تنم عن روح الغيرة والتضحية من أجل الآخرين، وبين مخاطر القومية التي تظل في المحصلة النهائية نسخة مزوّرة فاسدة من الروح الوطنية وإنْ تخفّت بردائها. وقد تابع العالم ألبرت أينشتاين عن قرب ازدهار القومية في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، وخلص إلى القول إن القومية هي وباء الطفولة، هي الحصبة للبشرية”. ونبّه الكاتب البريطاني جورج أورويل إلى مغبّة الخلط بينهما. وقال الرئيس الفرنسي شارل ديجول الذي عاين عن قرب تأثير النزعات القومية في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية إنّ “الروح الوطنية هي عندما تأتي محبتك لشعبك في المقام الأول، أما القومية فهي عندما تكره أن يأتي شعب آخر قبل شعبك”.
====================
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار" امريكا اولا " (17)
دراسة / الحلقة الثالثة
8. خطايا الحزب الجمهوري
اجتمعت عدة تحوّلات سياسية واقتصادية وثقافية داخل أمريكا في إيجاد المناخ والتربة الملائمين لنمو ظاهرة ترامب واختراقه صفوف الحزب الجمهوري، الذي أصبح أعضاؤه التقليديون يتساءلون عن مصير تركة زعمائه الكبار مثل أبراهم لنكن (1861-1865)، وتيودور روزفلت (1901-1909)، ورونالد ريجان (1981-1989). ولم يأت صعود نجم ترامب من فراغ، ولا يمكن أن يُعزى تنامي شعبيته إلى حنكته السياسية أو برنامجه الانتخابي في ظل ما استعرضته هذه الدراسة، بل ينبغي أن ندخل في الحساب قدرته على استغلال مجموعة أخطاء ارتكبها زعماء الحزب الجمهوري استراتيجيًّا وسياسيًّا منذ عدة سنوات، سواء إزاء مسألة التعددية أو عدم الانفتاح على الأقليات.
ظل زعماء هذا الحزب يكرّسون الاهتمام بمصالح الطبقة الثرية وأرباب العمل والمضاربين في وول ستريت بدلاً من اعتماد رؤى استباقية تحول دون حدوث قطيعة مع الطبقة العاملة. ولا غرابة أن يجسّد نجاح ترامب فشل نخبة الحزب أو مؤسسة الحزب التي يفاخر ترامب بأنه ليس منها ولا يتعاون معها، بل يريد أن يستولي على زعامة الحزب بحكم الأمر الواقع لـ”تصفية المستنقع”.
وثمة خطأ ثان لم يتدراكه زعماء الحزب الجمهوري منذ نهاية رئاسة ريجان، الذي اشتهر باستقطاب فئة مهمة من الناخبين سميت “ديمقراطيو ريجان” (Reagan Democrats). إذ لم ينفتح على الأقليات العرقية الأخرى، بلّ ظل إلى حد كبير حزب الرجل الأبيض. وكما يقول فريد زكريا المعلق في صحيفة واشنطن بوست، عمل الجمهوريون على “تغذية الأمريكيين بأفكار معينة حول التراجع والخيانة، وشجعوا القوى المعادية للوعي الثقافي والقوى الداعية لعرقلة عمل الحكومة وأصوات المد الشعبوي. إنهم استأنسوا بأصوات التعصب والعنصرية، وإن ترامب لم يتورع في استغلالها دون استحياء، وأصبح يجاهر علنًا بما كانوا يهمسون به لعدة سنوات. وهو بذلك الآن يلعب بالورقة الرّابحة. وليست المسألة هي أنه كان على الزعماء الجمهوريين البدء في التنديد بترامب العام الماضي، بل كان ينبغي أن يندّدوا بتلك الأفكار والتّكتيكات عند بدء رواجها قبل عشرين عامًا قبل أن تساهم في تنامي شعبية ترامب هذا العام”[33].
وفي هذا السياق، يعكس نجاح ترامب أزمة حقيقية في مسار الحركة المحافظة في الولايات المتحدة، وربما احتضار الحزب الجمهوري العجوز الذي لم ينجب حفدة من السلاسة السياسية للنكولن أو روزفلت أو ريجان. وظل قادة الحزب يرفضون الإقرار بتلك المشاكل، فضلاً عن التعثرات التي وقع فيها الحزب خلال رئاسة بوش الابن بتوصية من نائبه آنذاك ديك تشيني، وعزوا مثل هذه الانتقاد إلى ما يعتبرونه انحياز وسائل الإعلام التي تظل في اعتقادهم ليبرالية المنحى. وبعبارة أخرى، وجد المرشح دونالد ترامب الظروف مهيأة لنجاحه أكثر من الاعتماد على عصاميته أو ألمعيته السياسية.
=====================
لماذا يدعو ترامب الى العزلة / وما معني شعار" امريكا اولا " (18)
دراسة / الحلقة الثالثة
9 استعادة عظمة أمريكا من جديد
محاولة ترميم الاستثناء الأمريكي
يعتز كثير من الأمريكيين بأنّ ديمقراطيتهم لا تشبه أنظمة بقية دول العالم، وأنها نتيجة مساعي المؤسّسين الأوائل (Founding Fathers)، الذين صاغوا الدستور من خلال تأملاتهم في الدروس والعبر التاريخية من خطايا الأنظمة الملكية والإمبراطورية التي كانت سائدة في أوروبا في القرن الثامن عشر. يقول دانيال دريزنر إنّ “آليات المراقبة الدستورية لسلطة الدولة ورفضها الإيديولوجي للحزب الاشتراكي، واحتضانها نظام السوق الحرة، وعزلتها النسبية من التهديدات الأمنية القومية لحقب طويلة من تاريخها خلق ظاهريًّا نوعًا مختلفًا من السياسة”[34].
وتبلورت فكرة الاستثناء الأمريكي من خلال أعمال عدد من المنظّرين مثل ريتشارد هوفستاتر(Richard Hofstadter) وسيمور مارتن ليبست (Seymour Martin Lipset) ولويس هارتز(Louis Hartz). وتفيد بأن المؤسسات الأمريكية تمّ صهرها في فرن مختلف عن الذي صهر مؤسسات الدول الأخرى. ويوضّح مايكل روجين (Michael Rogin) أنّ “عقيدة الاستثناء الأمريكي تبلورت في ظل الشيوعية الأمريكية في الثلاثينيات من القرن الماضي لتفسير فشل الاشتراكية الماركسية في أن تترسخ في الولايات المتحدة. وقارن دعاة الاستثناء الأمريكي بين الصراعات المحدودة والسطحية في الولايات المتحدة والانقسامات الاجتماعية والسياسية الأكثر عنادًا التي ولّدت الثورة والدكتاتورية”[35].
وجدت هذه الفكرة صدى قويًّا في خطاب ترامب يوم التنصيب عندما قال: “نحن لا نسعى إلى فرض أسلوبنا في الحياة على أي شخص، ولكن بدلاً من ذلك دعوه يتألق كمثال قائم بذاته. ونحن سنلمع أمام الجميع حتى يتبعونا في أسلوبنا”. هكذا يتمسك ترامب بهذه الرؤية كمشروع سياسي واقتصادي لاستعادة “عظمة أمريكا من جديد”. وهو يقترب من أفكار أندرو جاكسون سابع رؤساء أمريكا بين عامي 1829 و1837، وسبق له أن وقع في الأسر لدى القوات البريطانية خلال الثورة الأمريكية عام 1779. واليوم يحتفظ ترامب بصورة الرئيس جاكسون على الجدار على مقربة منه في المكتب البيضاوي داخل البيت الأبيض.
يقول والتر راسيل ميد (Walter Russell Mead) أستاذ الشؤون الدولية إن دعاة المذهب الجاكسوني يعتبرون الاستثناء الأمريكي ليس بوصفه وظيفة من النداء العالمي للأفكار الأمريكية، أو حتى وظيفة أمريكية فريدة لتغيير العالم، بل هو متجذر في التزام البلاد بالمساواة وكرامة المواطن الأمريكي. ويكمن دور الحكومة في نظرهم في ضمان مصير البلاد من خلال حماية الأمن المادي والرفاه الاقتصادي للشعب الأمريكي داخل وطنهم القومي. وخلال القيام بذلك لا تتدخل الحكومة إلا بأقلّ قدر ممكن في الحرية الفردية التي تجعل الولايات المتحدة بلدًا فريدًا من نوعه[36].
وعلى الرّغم من التلويح بقيم الكرامة الفردية والرفاه الاقتصادي، فإن الاستثناء الأمريكي ضمن رؤية ترامب لا يبدي تحمسًا حقيقيًّا لفكرة تكافؤ الفرص والتعايش بين مختلف الأعراق والتعددية، أو البوتقة الثقافية (Melting Pot) والانفتاح على بقية العالم وتشجيع المنظمات الدولية التي تمسك بها اليسار التقدمي منذ الستينيات من القرن الماضي. وتبقى محاولات ترامب صيانة هذا الاستثناء محفوفة بعدة تحديات رئيسية سواء في تكريس الحمائية في الداخل أو الانعزال عن القضايا الدولية، والتخلي عن الشراكة التاريخية عبر الأطلسي مع الاتحاد الأوروبي وقبله المجموعة الاقتصادية الأوروبية.
من المحتمل أن تؤدي سياسات لدى ترامب في هذه المرحلة إلى مكاسب على المدى القصير وخسائر على المدى البعيد. ومن تجليات هذه الخسائر المرتقبة تآكل بعض المؤسسات الأساسية في النظام الليبرالي الدولي. فتهديدات ترامب بالتخلي عن حلفاء الولايات المتحدة “قد تؤدي إلى مزيد من الإنفاق الدفاعي الأوروبي على المدى القصير، وستقوض جذريًّا التضامن العضوي والتماسك التي يجعل حلف شمال الأطلسي استثنائيًّا جدًّا، ويدفع الشركاء الأوروبيين لإعادة النظر في ما إذا كانت الولايات المتحدة حقيقة شريكًا يمكن الاعتماد عليها أساسًا”[37].
=====================
خلاصة: ترامب والبراغماتية الجوفاء
استعرضت هذه الدراسة السياق البنيوي والتركيبة الفكرية والنفسية التي منحت الترامبية الزخم السياسي والأيديولوجي لقيادة اليمين المتطرف في الولايات المتحدة. غير أن الترامبية التي تعاند أعراف التعددية والتعايش في الداخل والتحالفات والعمل الدبلوماسي في الخارج، تشكل في عمقها جموحًا سياسيًّا لرجل جمع ثروة غير معروفة في الاستثمار العقاري، وتشبع خلال العقود الأربعة الأخيرة بنرجسية الرجل القوي الذي يريد أن يكون الرابح في كل مكان وزمان، وينصب نفسه “رئيس مجلس إدارة” أمريكا أملاً في الجمع بين المجد المالي والمجد السياسي.
ستظل حقبة ترامب في البيت الأبيض رهينة الانقسام السياسي والثقافي غير المسبوق بين مؤيديه (وأغلبهم من البيض)، وبين المدافعين عن أمريكا التعددية والتنوع العرقي والثقافي. ويمكن اختزال هذا النزاع المتفاقم في أنه نزاع هويات (Identity conflict) مفتوح على مصراعيه أكثر منه ردّ فعل على المضاعفات السلبية للأزمة المالية عام 2008 وتصاعد معدلات البطالة وقتها. ووسط انتعاش القومية البيضاء، تكثر وتيرة الاعتداءات حاليًا على أفراد من شتى الأقليات، فيما ترتفع معدلات جرائم الكراهية ومعاداة السامية ضد اليهود والمسلمين والهنود والسيخ وغيرهم.
وفيما يحتار كثير من المحللين في تفسير مآل بعض النظريات السياسية سواء الواقعية السياسية (Realpolitick) أو الليبرالية الجديدة (Neoliberalism) في عهد ترامب، يبدو أن حرصه على استعادة عظمة أمريكا وضمان الأمن القومي الأمريكي وإيجاد 25 مليون وظيفة جديدة يؤهّلونه لتجاوز كل أصوات النقد وأخلاقيات السياسة، على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة. وبالتي فهو يقرأ الكثير في مفهوم الشرعية الانتخابية ولا ينتبه إلى فقره إلى الشرعية الشعبية، وهو الرئيس الذي دخل البيت الأبيض بأدنى مستوى من الشعبية دون 40%، فيما كانت لسلفه أوباما نسبة 87% عام 2009.
يشكل أسلوب ترامب في بداية حكمه تكريسًا لميكيافيلية جديدة (Neo Machiavellism). وما يؤرّق الكثير من الأمريكيين وغير الأمريكيين عدم اكتراثه بأي مؤسسات أو أعراف سياسية أو قواعد دبلوماسية، وهو بهذا يقوّض سياسة القيم (Moral Politics) التي كانت ولا تزال المحكّ القوي في تصحيح النظام السياسي الأمريكي ذاته بذاته. ويساور القلق العديد من الأمريكيين من سيناريو أسوأ الاحتمالات في السنوات الأربع المقبلة، كما يلخصها فيت ثانه نغويين (Viet Thanh Nguyen) قائلاً: “الفاشية، الجدار، عمليات الترحيل الجماعي، نهاية العمل بنظام الرعاية الصحية التي أقامه أوباما، والعلامة الخاصة لترامب على البيت الأبيض إما بشن حرب تجارية أو حرب فعلية مع الصين (ما دامت الحرب هي أسهل السبل لشغل أنظار الرأي العام عن التعاسة المحلية)”[38].
وإذا تأمّلنا السياسة الخارجية لترامب على قاعدة الثّابت والمتحوّل، يبدو أن الثابت الوحيد هو حرصه على عدم فقدان مودّة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهناك عدة خطوط متوازية بين ترامب وبوتين، فهما من الناحية الشخصية يحملان جينات نرجسية الرجل القوي الذي سيعيد عظمة بلاده (الإمبراطورية الروسية = بوتين، أمريكا أولاً = ترامب). غير أن ترامب لا يتبنى فلسفة الحرب الباردة ولا يريد المواجهة مع بوتين، بل يرغب في تقاسم المتاعب والمكاسب في الشرق الأوسط ومناطق أخرى، ويستجيب لمسعى بوتين بإلغاء العقوبات الغربية على روسيا بسبب تداعيات الأزمة الأوكرانية. ولا غرابة أن يتمادى ترامب في إعلان حرب تجارية على المكسيك أو حرب عسكرية على الصين لتبديد أي ضغوط عليه داخل أمريكا، إذا بدأت “فضيحة روسيا” تلقي بظلالها على وضعه في البيت الأبيض.
وبفعل هذه الترامبية، تنشطر حاليًا البنية السياسية الأمريكية التي كانت تاريخيًّا ثنائية بين الجمهوريين والديمقراطيين منذ عام 1854 إلى ثلاثة تيارات متنافرة:
1. التيار الليبرالي الذي يحاول دفع الحزب الديمقراطي نحو أقصى اليسار كردّ فعل استراتيجي مضاد، بزعامة المرشح الرئاسي الديمقراطي السابق بيرني ساندرز والنائب الديمقراطي كيث إليسون، الذي انتخب نائبًا لرئيس اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في أواخر فبراير 2017.
2. التيار المحافظ الذي يسعى إلى الحفاظ على فلسفة الحزب الجمهوري ضمن مربّع القيم التي دافع عنها لنكن وروزفلت وريجان، كما هو حال عضوي مجلس الشيوخ جون مكين وليندسي غراهام. لكن بقية زعماء الحزب في الكونغرس مثل رئيس مجلس النواب بول راين انجرفوا مع تيار ترامب، مرغمين على ما يبدو، بفعل حسابات الانتخابات التشريعية المقررة في نوفمبر 2018.
3. التيار اليميني المتطرف الذي يعانق الفكر الأنجليكاني والقومية التي تأجّج مشاعر فئات الواسب، وهو التيار الذي تعهد بالدفاع عن مصالح العمق الأمريكي على مستوى الفئات العمالية والمزارعين، في ولايات أوهايو وأيوا وميسوري ويسكنسن وأوكلاهوما وحتى بنسلفانيا التي أظهرت مفاجئة غير متوقعة في صناديق الاقتراع. ويعتقد أنصار هذه التيار أنهم الأكثر حظًّا في معارك السياسات العامة أمام الرأي العام، مما يجعلهم يترقبون إعادة انتخاب ترامب لولاية رئاسية ثانية عام 2020.
لا يمكن للمرء تبسيط المسار المتصاعد لليمين المتطرف في الولايات المتحدة وأوروبا. فعلى عكس الموجات المتتالية بين حقب الليبرالية والواقعية التي شكلت تحولات السياسة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، يشكل فوز ترامب انجراف الولايات المتحدة نحو مسار غير مسبوق من التطرف. وللأسف، خرجت عن مسار ديمقراطية ليبرالية كانت نتاج الفلسفة السياسية الأخلاقية التي نادى بها عصر الأنوار في أوروبا، من خلال كتابات الفيلسوف إيمانويل كانت (Immanuel Kant)، إلى طريق مظلم متعثر يحكمه الغموض والعزلة والعنصرية وكراهية الأجانب.
وتنطوي الترامبية في بعدها المتطرف على مخاطر جمّة بسبب الجمع بين الغوغائية والقومية الاقتصادية لاستعادة “عظمة” أمريكا البيضاء، وتطبيع لغة الكراهية والعدائية عند صناعة الآخر في الداخل والخارج. وقصة الغوغائيين ليست جديدة، بل هي قديمة قدم الحضارة كما يقول كريس هيدجز، “لقد ارتفع نجمهم وهوى مثل المدّ والجزر، وخلّفوا دائماً وراءهم البؤس والدمار والموت. هم يستغلون مشاعر الإحباط والغضب التي تولد في مجتمع منحلّ. يقدّمون وعودًا رائعة لن يستطيعوا أبدًا الوفاء بها. يشوّهون الضعفاء ككبش فداء وينشرون خطاب الكراهية والعنف. وهم يطالبون بعبادة إلهية لهم، ويستهلكون الفئات المحكومة”[39].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق