دراسة حول "نمط الانتاج الاقتصادي في النظام الاقطاعي"

. . ليست هناك تعليقات:




دراسة حول "نمط الانتاج الاقتصادي في النظام الاقطاعي"  

اعداد : ابراهيم رجب
 مقدمة  : ..
كان النظام الإقطاعي هو النظام الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي الذي ساد في أوروبا في العصور الوسطى, وذلك اعتبارا من القرن التاسع الميلادي .. حيث نشأ هدا النظام على أنقاض النظام العبودي .
لكن سبق بلورة النظام الاقطاعي والانتقال اليه بالكامل في اوروبا الغربية في القرن التاسع العديد من الاحداث والتفاعلات والحروب ساذكر اهمها باختصر شديد

اولا : سقوط الامبراطورية الرومانية بيد القبائل الجرمانية

ففي ظل النظام العبودي تمكنت المجتمعات من الاستقرار في منطقة جغرافية محددة ,, تم استيطانها من قبل القبائل التي تشكلت نتيجة لتطور نظام الملكية وتقسيم المجتمع الى طبقات وتقسيم العمل ,,
وفي هذا الوقت كانت الابراطورية الرومانية تسيطر على العامل تقريبا وتنافسها الامبر اطورية الفارسية .. وظهرت في أوروبا قبائل ريفية وكلما حصلت القبيلة على المزيد من القوة يزداد طموحها بالسيرة على المزيد من الأرض والعبيد .. 


وهكذا بدأت القبائل الجرمانية بالقيام يغزوات وشن غارات على أراضي الامبر اطورية الرومانية في أوروبا وتحتل قرى وتأسر عبيدا ,, وتنتصر مرات وتهزم مرات ,, لكن حركة الصراع القبلي بين القبائل التي نشأت في عصر العبودية استمرت بشن الحروب والغزوات على الامبر اطورية الرومانية الى ان حدثت معركة فاصلة غيرت مجرى التاريخ بين القبائل الجرمانية وبين الامبر اطورية الرومانية
وتعرف تلك المعركة الفاصلة في التاريخ باسم معركة "أدريا نوبل" في القرن الرابع سنة 378م ، وقُتل خلالها الإمبراطور الروماني في روما وذُبح 45 ألف جندي روماني وقيل 785 ألف جندي، وسيطر الجرمان علي مقاليد السلطة في الغرب الأوربي. واحتل الوندال أفريقيا وجنوب أسبانيا، والفرنجة غـالة، والسكسون بريطانيا، والقوط الشرقيين في إيطاليا، والقوط الغربيين في أسبانيا والأندلس. 


وأصبحت القوة آنذاك هي قوة الخيالة الفرسان، ذلك أن الجرمان كانوا فرسان والرومان مشاة، فالفرسان هم الأمراء أصحاب القوة الضاربة فأصبح لهم السلطان والنفوذ والملك لا يكون جيشه بدونهم.
ولأن الجرمان قبل سيطرتهم على روما كانوا فلاحين بسطاء بدائيين فقد سكنوا القرى التي أصبحت أصبحت عصب الحياة بالنسبة لهم ، وامتلك الفرسان الأمراء القادة الأرض والعبيد فأصبحوا يمتلكوا القوة إلاقتصادية والعسكرية في نفس الوقت، وكان ذلك بداية لتحول حضاري عميق .. 


ثانيا : سيطرة القبائل الجرمانية وبداية ظهور الاقطاعيين

في ظل هده الظروف (التي ذكرنا في المقدمة المنشورة بتاريخ 7 سبتمبر على هذه الصفحة) بدا النظام الإقطاعي بالتشكل لان ملوك الجرمان الدين سيطروا على روما لم يكونوا قادرين على إقامة سلطة مركزية لدى عمدوا إلى تنصيب قادة جيوشهم حكاما للأقاليم,


و مع مرور الوقت بدأ هؤلاء القادة الجدد (الفرسان) باتخاذ بعض مظاهر الاستقلال عن السلطة المركزية , فأصبحت وظائفهم و ألقابهم وراثية و صاروا يجمعون الضرائب لحسابهم الخاص, كما قاموا بإنشاء المحاكم الإقطاعية التي تحكم بأسمائهم و كان لكل إقطاعية جيشها الخاص, حتى أن اغلب الإقطاعيين بدأوا بسك (بإصدار ) النقود بأسمائهم , و بدلك بدت الإقطاعية و كأنها وحدة اقتصادية و اجتماعية و سياسية,( و بالتالي تشكل ما يسمى بالهرم الإقطاعي الذي يأتي في قمته الإمبراطور الدي فقد نفوذه السياسي و الاقتصادي مع مرور الوقت لصالح قاعدة الهرم التي تتألف من قادة الإقطاعيات- النبلاء – الأشراف – الأسياد – اللوردات) .


في المجال الزراعي

( الريف ألاوروبي – الضيعة – ) استولى قادة الإقطاعيات على اغلب الأراضي الزراعية بطرق مختلف وشملت :
- الإرهاب
- إرهاق الفلاحين بالضرائب الامر الدي يدفعهم إلى التنازل عنها للاقطاعي بعد الغرق في الديون,
- قيام المزارعين بتسليم أراضيهم للإقطاعي طوعا مقابل الحصول على حمايته – خوفا
و أصبحت بالتالي اغلب الأراضي ملكا للإقطاعيين و تحول المزارعين و أسرهم إلى أقنان للأرض ( عبيد للأرض ) يعملون لدى الإقطاعيين و تحت سيطرتهم ( تابعين لهم).


و كانت أراضي الإقطاعية ملكا خاصا للإقطاعي و موزعة بالشكل التالي :


1 – جزء من الأرض يحتفظ به السيد لنفسه و الجزء الثاني يوزع بين المزارعين بالتساوي حيث يقومون بزراعة حصتهم من الأرض لحسابهم الخاص مع التزامهم بدفع جزء من المحصول في شكل ريع نقدي أو عينية لسيد الإقطاعية و للكنيسة (اندمجت الكنيسة في النظام الإقطاعي و أصبحت جزءا منه تدافع عنه و تحبذه و ارتبطت بذلك مصالحها بمصالح النظام الإقطاعي ) .


2 - يلتزم المزارعون بالعمل وفق نظام السخرة في ذلك الجزء من الأرض المخصص للإقطاعي, حيث يخصصون أيام معينة من الأسبوع للعمل على أرضه ( نظام السخرة معناه العمل بدون مقابل ).
3 – كان يحق لرقيق الأرض ( الفلاحين ) توريث حق زراعة الأرض ( حصتهم من الأرض ) إلى أبناءهم بعد موتهم, كما كانوا مجبرين على العمل و طاعة من يرث سيد الإقطاعية في حالة موته, و يلتزم سيد الإقطاعية بحماية رقيق الأرض و القضاء بينهم (العدالة) مع ضمان بعض الحاجات الضرورية الأخرى .
و كان اقتصاد الإقطاعية يميل إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي ( اقتصاد مغلق ) فنادرا ما تتم المبادلة بين الإقطاعيات .و اصبحت الزراعة تمثل أهم نشاط اقتصادي في اوروبا .


ثانيا : ظهور النشاط الحرفي

ظهر في مراحل متقدمة من النظام الاقطاعي نشاط جديد الى جانب النشاط الزراعي وهو نشاط الصناعات الحرفية يمارس النشاط الحرفي خارج سيطرة الإقطاعية .. ومع هذا النشاط ظهرت تنظيمات نقابية ( ابتداءا من القرن 12 ) تسمى بالنقابات الطائفية تقوم بالإشراف على النشاط الحرفي في المدينة , فكان لكل حرفة نقابتها الخاصة بها و مهمتها تنظيم النشاط الحرفي , حيث تقوم هده النقابات بمايلي :

1-تحديد الأسعار و المحافظة عليها تحديد عدد العمال في كل حرفة مع وضع شروط للعضوية في النقابة.

2- الإشراف على الإنتاج و ضمان جودته .

و كان القانون الاقتصادي الأساسي لأسلوب الإنتاج الإقطاعي هو :

الإقطاعيون يجهدون للحصول على اكبر قدر ممكن من المنتوج الفائض في شكل ريع عقاري إقطاعي و ذلك عن طريق الاستثمار الاجباري في الفلاحين .

و من هنا فالعلاقة بين مالك الأرض السيد كانت قائمة على أساس التبعية , و بهذا كان المجتمع يتقسم إلى طبقتين رئيسيتين و هما طبقة الإقطاعيين و الفلاحين , والى جانب هذا كانت هناك فئات أخرى مثل صغار المنتجين من فلاحين و حرفيين و تجار و مرابون.

و تجدر الإشارة هنا أن هده المرحلة عرفت ضعف و انحسار التجارة بين اوروبا و الشرق وهذا راجع لعدم وجود الأمن و الاستقرار في الطرق التجارية التقليدية المؤدية إلى الشرق ودلك بعد تعاظم نفوذ الدولة الإسلامية, لذلك فان اروبا في عهد الإقطاع تميزت بالاكتفاء الذاتي و اقتصرت تجارتها مع العالم الخارجي على بعض المنتجات فقط.

ثالثا : واجبات الرقيق في المجتمع الاقطاعي

إن النظام الذي هيمن على الحياة الأوروبية طوال القرون الوسطى، وشكَّل ملامح القارة الأوروبية آنذاك هو نظام الإقطاع، وهو عهد تواصل فيه الظلم والطغيان والإنسان في ظله كان مسلوب الإرادة مهدر الكرامة ضائع الحقوق.
والواقع أن الدول التي تتكون منها القارة الأوروبية لم تكن في الحقيقة إلا مجموعة من الإقطاعيات تخضع لملك أو إمبراطور مركزي، جل همه أن يحصل على الضرائب والجنود من السيد مالك الإقطاعية، أما داخل الإقطاعية فكانت تبرز الصورة البشعة للنظام الإقطاعي. 


ومع ملاحظة أن هذا النظام تختلف صوره باختلاف العصور والأقاليم، فإن ملامحه العامة وجوهره الموحد يمكن أن يحصرا في تقسيم المجتمع طبقتين: إحداهما في قمة الترف، والأخرى في حضيض العوز، وكل طبقة تتألف من طائفتين، فالطبقة العليا هي طائفتا السادة الملاك ورجال الكنيسة، والطبقة الدنيا: هي طائفتا العبيد ورقيق المجتمع، ومن هذه الأخيرة صغار القساوسة والزهاد من رجال الكنيسة.

ورقيق المجتمع يمثل الغالبية الساحقة نت مجموع سكان أوروبا وهم ملزمون بقائمة طويلة من الواجبات يؤدوها للمالك ومن أهمها : 


1- ثلاث ضرائب نقدية في العام.
2- جزء من محصوله وماشيته.
3- العمل سخرة كثيراً من أيام السنة.
4- أجر على استعمال أدوات المالك في طعامه وشرابه.
5- أجر للسماح بصيد السمك أو الحيوان البري.
6- رسم إذا رفع قضية أمام محاكم المالك.
7- ينضم إلى فيلق المالك إذا نشبت حرب.
8- يفتدي سيده إذا أسر.
9- يقدم الهدايا لابن المالك إذا رقي لمرتبة الفرسان.
10- ضريبة على كل سلعة يبيعها في السوق.
11- لا يبيع سلعة إلا بعد بيع سلعة المالك نفسها بأسبوعين.
12- يشتري بعض بضائع سيده وجوباً.
13- غرامة إذا أرسل ابنه ليتعلم أو وهبه للكنيسة.
14- ضريبة مع أذن المالك إذا تزوج هو أو أحد أبنائه من خارج الضيعة.
15- حق الليلة الأولى! وهي أن يقضي السيد مع عروس رقيقه الليلة الأولى، وكان يسمح له أحياناً أن يفتديها بأجر، وقد بقي بصورته هذه في بافاريا إلى القرن الثامن عشر.
16- وراثة تركته بعد موته.
17- ضريبة سنوية للكنيسة، وضريبة تركات للقائد الذي يدافع عن المقاطعة.

رابعا : واجبات وحقوق الافراد في المجتمع الاقطاعي

أما حقوق وواجبات كل فرد من هذه الطبقات فكما يلي: 

1-السيد المالك:

هو المسيطر الفعلي وصاحب النفوذ القوي في هذا النظام، وقد كان يملك حقوقاً لا حصر لها في حين ليس عليه أي واجبات: ''كان من حقه أن يضرب رقيق أرضه أو يقتله في بعض الأماكن أو الأحوال دون أن يخشى عقاباً، وكانت له في أملاكه كل السلطات القضائية والعسكرية، وكان يستفيد فوق ما يجب من الغرامات التي تفرضها محاكم الضيعة... وكان في وسع السيد الإقطاعي أن يمتلك أكثر من ضيعة واحدة... وقد يكون له قصر حصين في كل واحدة منها، وكان قصره يهدف إلى حماية سكانه أكثر مما يهدف إلى راحتهم... يحيط به خندق عميق عريض وسور متصل عال وأبواب حديدية؛ وفي وسطه برج حجري دائري يسكن فيه السيد وأسرته، وكانت جدرانه الحجرية المنيعة عماد قوة الملاك ضد مستأجريهم وضد الملك. 

وكان الرجل الذي يمنعه كبرياؤه من أن يكون رقيق أرض، ولكنه أضعف من أن يعد لنفسه وسائل الدفاع العسكرية، يؤدي مراسم الولاء لشريف إقطاعي، يركع أمامه وهو أعزل عاري الرأس، ويضع يديه في يدي الشريف، ويعلن أنه رجل ذلك الشريف، ثم يقسم على بعض المخلفات المقدسة... أن يظل وفياً للسيد إلى آخر أيام حياته، ثم يرفعه السيد ويقبله'' . 


وكون الإنسان مالكاً نبيلاً لا يعتمد على جهوده الذاتية، ولا هو مما يمكن اكتسابه، فالنبيل يولد نبيلاً ويظل كذلك إلى الموت، والعبد يولد عبداً ويعيش حياته كلها في أغلال العبودية، أي أن المجتمع الإقطاعي يقوم بتوزيع أعضائه على العامل الوراثي وحده، إلا إذا طرأ تبدل فجائي كامل على الحياة فينقطع، لكنه يعود إلى التحكم فور استقرار الأوضاع.

2- رجل الدين: 

كان رجل الدين بسلطته الروحية سيداً إقطاعياً إلى حد ما، وكان يملك الإقطاعيات، ويتحلى بالألقاب الإقطاعية، ويورث مرتبته لذريته، وقد سبق الحديث عن ذلك.

3- العبد: 

أباحت الكنيسة استرقاق المسلمين والأوروبيين الذين لم يعتنقوا الدين المسيحي، وكان آلاف من الأسرى الصقالبة أو المسلمين يوزعون عبيداً على الأديرة... وكان القانون الكنسي يقدر ثروة أراضي الكنيسة في بعض الأحيان بعدد من فيها من العبيد لا بقدر ما تساوي من المال، فقد كان العبد يعد سلعة من السلع كما يعده القانون الزمني سواء بسواء، وحرم على عبيد الكنائس أن يوصوا لأحد بأملاكهم... وحرم البابا جريجوري الأول على العبيد أن يكونوا قساوسة، أو أن يتزوجوا من المسيحيات الحرائر... وكان القديس توماس أكويناس يفسر الاسترقاق بأنه نتيجة لخطيئة آدم، وإذا كان هذا هو نظر الكنيسة التي تنادي بالمحبة والرحمة فما بالك بمعاملة السيد رجل الدنيا لعبيد إقطاعيته...؟

4- رقيق الأرض:

 لم يكن رقيق الأرض عبداً بمعنى الكلمة، لكن حاله لا يختلف عن العبد في شيء، والفارق بينهما أن العبد - في الأصل - إما أسير مغلوب وإما مخالف للسيد في الدين أو الجنس أو المذهب، بعكس الرقيق الذي هو أصيل في الإقطاعية، وينتمي إلى الدين والجنس اللذين ينتمي إليهما سيده.
والأصل في رقيق الأرض أنه رجل يفلح مساحة من الأرض يمتلكها سيد أو بارون، وكان في وسع المالك أن يطرده متى شاء، وكان من حقه في فرنسا أن يبيع الرقيق مستقلاً عن الأرض... أما في إنجلترا فقد حرم من مغادرة الأرض، وكان الذين يفرون من أرقاء الأرض يعاد القبض عليهم بنفس الصرامة التي يعاد بها القبض على العبيد، وهذا الصنف هو الصنف الغالب في الإقطاعيات، بل هو في الحقيقة يمثل مجموع سكان أوروبا تقريباً باستثناء النبلاء ورجال الدين,

خامسا : الدين المسيحي في عصر الاقطاع ودور الكنيسة

منذ بدايات ظهور عصر الاقطاع في القرن التاسع الميلادي تطورت العلاقة بين الكنيسة والأباطرة إلى الشراكة في حكم أتباعهما في المجتمعات الإقطاعية في اوروبا، وذلك بعد الاعتراف بها ديناً رسمياً للإمبراطورية الرومانية .

وفي تلك الفترة لعب رجال الدين الذين دخلوا على خط الإقطاع وتملكوا الإقطاعيات الكبيرة دوراً كبيراً وخطيراً في تخدير مشاعر الفلاحين المستعبدين والمظلومين والمقهورين عند الإقطاعيين، وامتصاص نقمتهم وإجهاض رغبتهم في الثورة والتمرد على ذلك الظلم، بكذبة: أن لهم -الفقراء- الجنة وملكوت السماء.

وبعد أن استطاعت الكنيسة الهيمنة على الحياة كلها في أوروبا والتحكم في مصائر سكانها حكاماً ومحكومين وأصبح لها الكلمة الفصل والمطلقة على الجميع، امتدت أيدي الكنيسة ورجال الدين إلى ما في جيوب الفقراء من الزهيد من المال إن توفر ليسرقوه باسم صكوك الغفران التي أعطوا لأنفسهم الحق في منحها لهذا أو ذاك بدعوى التفويض الإلهي للبابا ظل الله في الأرض!.

حيث أصدر المجمع الثاني عشر المعروف باسم مجمع لاتيران سنة 1215م قرار يمنح البابا حق امتلاك الغفران للمذنبين!

وقد مثل ذلك ذروة الطغيان الكنسي ضد الفقراء والأمراء على حد سواء، وكانت أول أمرها من أسباب قوة الكنيسة ودعائم شموخها، حيث قويت الكنيسة وتدعمت سلطتها بالجحافل البربرية التي تطوعت للقتال في سبيلها من أجل الحصول على الغفران. وبالمقابل كانت لها نتائج سلبية على الكنيسة ووضع حد لطغيانها نهائياً بعد عدة قرون، فقد انخفضت سلطة الملوك والأمراء والنبلاء الذين كانوا جنوداً للكنيسة يقاتلون بأنفسهم في الحروب الدينية . ورأوا أنهم أصبحوا هم وشعوبهم ليسوا إلا أدوات أو صنائع رجال الدين يمنون عليهم بالعفو إن رضوا ويعاقبونهم بالحرمان إن سخطوا، كما أن الثراء الذي حصلت عليه الكنيسة جعلها تبدو منافساً قوياً لأصحاب الإقطاعيات وكبار الملاك ما أثار في نفوسهم شعور العداوة لها والحقد عليها.

سادسا : ابرز مظاهر الطغيان الكنسي في عصر الاقطاع :

1ـ الطغيان الديني (محاكم التفتيش):

بدءا من فرض عقيدة التثليث، مروراً باضطهاد الكنيسة لكل المخالفين لها وفرض محاكم التفتيش وهي "سلطة قضائية كنسيه استثنائية" التي وضعها البابا غريغوري التاسع لقمع مخالفي الكنيسة ومعاقبتهم ، في جميع أنحاء العالم المسيحي،

2ـ الطغيان السياسي:

لقد تحول رجال الدين إلى طواغيت وسياسيين محترفين، وتملكتهم شهوة عارمة للتسلط ورغبة شرهة في الاستبداد، بزعم تطبيق الشريعة وأن البابا ظل الله على الأرض. فقد كانت الكنيسة ترى أن خضوع الملوك لها ليس تطوعاً منهم بل واجباً يقتضيه مركزها الديني وسلطانها الروحي جاء في البيان الذي أعلنه البابا (نقولا الأول) قوله:

"إن ابن الله أنشأ الكنيسة؛ بأن جعل الرسول بطرس أول رئيس لها، وأن أساقفة روما ورثوا بطرس في تسلسل مستمر متصل..(لذلك) فإن البابا ممثل الله على ظهر الأرض يجب أن تكون له السيادة العليا والسلطان الأعظم على جميع (المسيحيين)، حكاماً كانوا أو محكومين".

3ـ الطغيان المالي:

أ * الأملاك الإقطاعية:

يقول ول ديورانت: "أصبحت الكنيسة أكبر ملاك الأراضي وأكبر السادة الإقطاعيين في أوروبا، فقد كان دير "فلدا" مثلا، يمتلك (15000) قصر صغير، وكان دير "سانت جول" يملك ألفين من رقيق الأرض، وكان "الكوين فيتور" (أحد رجال الدين) سيداً لعشرين ألف من أرقاء الأرض، وكان الملك هو الذي يعين رؤساء الأساقفة والأديرة، وكانوا يلقبون بالدوق والكونت وغيرها من الألقاب الإقطاعية، وهكذا أصبحت الكنيسة جزءً من النظام الإقطاعي. وكانت أملاكها الزمنية، أي المادية، وحقوقها والتزاماتها الإقطاعية مما يجلل بالعار كل (مسيحي) متمسك بدينه، وسخرية تلوكها ألسنة الخارجين على الدين ومصدراً للجدل والعنف بين الأباطرة والباباوات".

ب * الأوقاف:

كانت الكنيسة تملك المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية باعتبارها "أوقافاً" للكنيسة بدعوى أنها تصرف عائداتها على سكان الأديرة وبناء الكنائس وتجهيز الحروب الصليبية، إلا أنها أسرفت في تملك الأوقاف حتى وصلت نسبة أراضي الكنيسة في بعض الدول درجة لا تكاد تصدق، وقد قال المصلح الكنسي (ويكلف) وهو من أوائل المصلحين: "إن الكنيسة تملك 3/1 أراضي إنجلترا وتأخذ الضرائب الباهظة من الباقي، وطالب بإلغاء هذه الأوقاف واتهم رجال الدين بأنهم "أتباع قياصرة لا أتباع الله".

ج * العشور:

فرضت الكنيسة على كل أتباعها ضريبة "العشور" وبفضلها كانت الكنيسة تضمن الحصول على عشر ما تغله الأراضي الزراعية والإقطاعيات، وعشر ما يحصل عليه المهنيون وأرباب الحرف غير الفلاحين. يقول ويلز: "وكانت الكنيسة تجبي الضرائب ولم يكن لها ممتلكات فسيحة ولا دخل عظيم من الرسوم فحسب، بل فرضت ضريبة العشور على رعاياها، وهي لم تدع إلى هذا الأمر بل طالبت به كحق".

د * ضريبة السنة الأولى:

لم تشبع الأوقاف والعشور نهم الكنيسة الجائع وجشعها البالغ بل ظلت ترهق كاهل رعاياها بالرسوم والضرائب الأخرى، ولما تولى البابا حنا الثاني والعشرين جاء ببدعة جديدة هي "ضريبة السنة الأولي" وهى مجموعة الدخل السنوي الأول لوظيفة من الوظائف الدينية أو الإقطاعية، تُدفع للكنيسة بصفة إجبارية، وبذلك ضمنت الكنيسة مورداً مالياً جديداً.

هـ * الهبات والعطايا:

كانت الكنيسة تحظى بالكثير من الهبات يقدمها الأثرياء الإقطاعيون للتملق والرياء أو يهديها البعض بدافع الإحسان والصدقة، كما أنهم كانوا يخشون غائلة غضب الكنيسة بحرمانهم من المغفرة عند الاحتضار على الأقل. وقد قويت هذه الدوافع بعد مهزلة صكوك الغفران إذ انهالت التبرعات على الكنيسة وتضخمت ثروات رجال الدين كما أسلفنا.

و * العمل المجاني "السخرة":

لم تقتنع الكنيسة ورجال الدين بامتلاك الإقطاعيات برقيقها بل أرغمت أتباعها على العمل المجاني في حقولها وفي مشروعاتها، لا سيما بناء الكنائس والأضرحة، وكان على الناس أن يرضخوا لأوامرها ويعملون بالمجان لمصلحتها مدة محددة هي في الغالب يوماً واحداً في الأسبوع ولا ينالون مقابل ذلك جزاءً ولا شكوراً.

ح * المواسم المقدسة والمهرجانات الكنسية:

التي كانت تدر الأموال الطائلة على رجال الكنيسة، فمثلاً "في سنة 1300م عقد مهرجان لليوبيل واجتمع له جمهور حاشد من الحجاج في روما بلغ من انهيال المال إلى خزائن البابوية أن ظل موظفان يجمعان بالمجاريف الهبات التي وضعت عند قبر القديس بطرس".

وهكذا كانت الجماهير ترزح تحت أثقال الكنيسة وأعبائها المالية المرهقة، وكان الملوك والأباطرة ورجال الدين الصغار يحسون بذلك أيضاً ولم يكن في وسع أحد أن يرفض شيئاً من ذلك، فالشعب خاضع تلقائياً لسطوتها، والملوك كانوا يخشون بأسها من جهة كما كانت بينهما مصالح مشتركة من جهة أخرى، إذ كانت الكنيسة تمدهم بأسباب البقاء، ولكنهم كانوا يتحينون الفرصة لإعلان احتجاجهم.

يقول تولستوي :"لقد استولى حب السلطة على قلوب رجال الكنيسة كما هو مستول في نفوس رجال الحكومات، وصار رجال الدين يسعون لتوطيد سلطة الكنائس من جهة ويساعدون الحكومات على توطيد سلطتها من جهة أخرى". إذن فمصلحة السلطتين تقتضي بقاء الأوضاع على صورتها الواقعة.

سابعا : عصر الاقطاع في اوجه (1) :

شهد أغلب أوروبا في القرن الثالث عشر نمواً اقتصادياً قوياً. اتصلت طرق الدول الإيطالية التجارية بتلك في موانئ البحر الأبيض المتوسط و اتسعت لاحقاً لتصل موانئ الرابطة الهانزية في مناطق بحر البلطيق وشمال أوروبا مما خلق شبكة اقتصادية أوروبية كانت الأولى منذ القرن الرابع الميلادي.

اتسعت الدول "المدن" الإيطالية إلى حد كبير خلال هذه الفترة، ونمت لتصبح عملياً مستقلة تماماً عن الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وبصرف النظر عن مملكة نابولي فإن القوى الخارجية أبقت جيوشها خارج إيطاليا.

تطورت في تلك الفترة البنية التجارية التحتية الحديثة وبروز نظام القيد المزدوج وشركات مساهمة والنظام المصرفي الدولي وسوق عملات منظم والتأمين والدين الحكومي.[

أصبحت فلورنسا في ايطاليا مركز هذه الصناعة المالية وأصبح الفلورين الذهب العملة الرئيسية للتجارة الدولية.

استطاعت طبقة التجار الجديدة الحاكمة - والتي اكتسبت موقعها من خلال قدراتها المالية - تكييف النظام الإقطاعي الأرستقراطي الذي ساد أوروبا في العصور الوسطى لصالحها.


سابعا : عصر الاقطاع في اوجه (2) :
تكونت في أوربا بدءا ن القرن الثالث عشر مجموعة من الأعراف البحرية تم تقنينها في أربعة مجموعات شهيرة هي قواعد أوليرون ومجموعة ويسبي وقنصلية البحر ومرشد البحر،شكلت فيما بعد مصدرا أساسيا للقانون التجاري الفرنسي.

وكذلك ساهمت الحروب الصليبية في توسيع حركة التجارة بين الشرق والغرب وأسفرت عن ظهور عادات وأعراف تجارية
و لعبت الكنيسة دورا هاما في ازدهار تجارة النقود والعمليات المالية،

كما انتشرت الأسواق التجارية في المدن الفرنسية والألمانية والإيطالية وأسفرت عن ظهور ما عرف انذاك ب"قانون الأسواق"،
وظهرت نقابات التجار لتدافع عن مصالحها وتؤكد على الطابع الطائفي للقانون التجاري وصدرت قوانين تسري أحكامها على فئة التجار دون سواها سميت بالقوانين الأساسية لمدن شمال إيطاليا،
فضلا عن ذلك عرفت هذه المرحلة تأسيس نظام القضاء التجاري المتخصص من خلال ما عرف بالمحاكم القنصلية حيث كان القناصل يتولون مهمة الفصل في المنازعات التي تنشأ بين التجار وفقا للأعراف والعادات التي درج التجار على اتباعها، وقد كان للقضاء دور أساسي في تدعيم أسس القانون التجاري وازدهار قواعده ،و عرفت البيئة التجارية أيضا قواعد خاصة بالعقود والأوراق والشركات التجارية.
استطاعت طبقة التجار الجديدة الحاكمة - والتي اكتسبت موقعها من خلال قدراتها المالية - تكييف النظام الإقطاعي الأرستقراطي الذي ساد أوروبا في العصور الوسطى لصالحها.
من بين سمات القرون الوسطى العليا في شمال إيطاليا ظهور البلديات القروسطية والتي انبثقت عن سيطرة الأساقفة والأسياد المحليين. في معظم أنحاء المنطقة، كان النبلاء ملاك الأراضي أفقر من البطرياركيات في إطار الاقتصاد النقدي للمناطق الحضرية في العصور الوسطى العليا، حيث تسبب ارتفاع معدلات التضخم في هذا الاقتصاد في إفقار طبقات الأرستقراطيين .


سابعا : عصر الاقطاع في اوجه (3) :
نعيد التذكر ان تاريخ العصور السطى يتقسم الى ثلاثة مراحل ,, وحسب كتاب الدكتور محمود عمران ذكر ان 

المرحلة الأولى
 وهي الممتدة من القرن الرابع إلى القرن العاشر الميلادي، وفيها اضمحلت الامبراطورية الرومانينة وأخذت أجناس عديدة تغير على ممتلكات الدولة وقد أطلق الرومانيون على هؤلاء الشعوب لفظ «البرابرة» أي كل من لا يتحدث اللاتينية، مثل: القوط ـ الهون ـ الوندال ـ السكسون ـ البرجند ـ اللومبارد.

والمرحلة الثانية
وهي الممتدة ما بين القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر الميلادي، وهي مرحلة الاستقرار النسبي والإقطاع وبداية النهضة الفكرية والحركة التجارية. كما شهدت أواخر تلك الفترة الزعامة الباباوية في الشأن الديني، والزعامة الامبراطورية في الشأن المدني.


والمرحلة الثالثة
وهي التي تشتمل على القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين، وهي مرحلة الصدام بين الأفكار الحديثة وتلك الأفكار الوسيطة.


فقد تغيرت النظرة إلى النظام الملكي، وظهر انقسام الكنيسة، وازداد النقد إلى الهيكل الكنسي، وتضاربت السلطة السياسية مع تلك الدينية. يتجول المؤلف في المرحلة الأولى ويرصد اعتناق الامبراطور «دقلديانوس» ومن بعده «قسطنطين» للمسيحية ديناً رسمياً للامبراطورية، ونقل العاصمة من روما غرباً إلى القسطنطينية شرقاً والتي أصبحت مركزاً لتبلور الحضارة «الهلينستية» والتي أصبحت من العلامات المميزة لتلك الامبراطورية الشرقية أي «البيزنطية


وقد تعرضت اوروبا في هذه المرحلة الى احداث غزيمة غير مسبوقة في التاريخ من امها بداية تبلور نشاطات اقتضادية جديدة لا تعتمد على الزرعة فقط وعلى راسها النشاط التجاري ,, مما مهد لاحداث النقلة الحضاريةالهائلة وانهاء عصر الاقطاع والانتقال الى عصر الراسمالية 


سابعا : اسباب انهيار النظام الاقطاعي (1) :


شهد القرن الرابع عشر سلسلة من الكوارث التي تسببت في ركود الاقتصاد الأوروبي. حيث كانت الحقبة الدافئة من القرون الوسطى في طريقها إلى النهاية وبدأ المناخ بالتحول إلى عصر جليدي صغير. ترافق هذا التغير في المناخ بتراجع الإنتاج الزراعي بشكل كبير، مما أدى إلى تكرر المجاعات، والتي تفاقمت بسبب النمو السكاني السريع في الحقبة السابقة. 

وعطلت حرب المائة عام بين انكلترا وفرنسا التجارة في جميع أنحاء شمال غرب أوروبا، وعلى الأخص عندما تنكر إدوارد الثالث ملك إنجلترا في 1345 لديونه، مما ساهم في انهيار أكبر بنكين في فلورنسا بارديوبير وتسي

في الشرق أيضاً ساهمت الحرب في تعطيل طرق التجارة حيث بدأت الإمبراطورية العثمانية بالتوسع في جميع أنحاء المنطقة.

أما الأكثر تدميراً فكان مرض الطاعون (الموت الأسود )الذي أهلك سكان المدن المكتظة

ومن المفارقات أن بعض هذه الكوارث ساعد على ترسيخ عصر النهضة. محا الموت الأسود ثلث سكان أوروبا تقريباً. أدى ذلك إلى زيادة الأجور بسبب نقص اليد العاملة والسكان وبالتالي ازداد السكان ثراء وكانوا أفضل تغذية أنفقت الأموال الفائضة بشكل ملحوظ على السلع الكمالية.

مع تراجع انتشار حالات الطاعون في أوائل القرن الخامس عشر، بدأ تعداد سكان أوروبا في النمو مجدداً.

ساهم الطلب الجديد على المنتجات والخدمات أيضاً في إنشاء فئة متزايدة من المصرفيين والتجار والحرفيين المهرة.

كما أدت أهوال الموت الأسود وعدم قدرة الكنيسة الجلية على تقديم الإغاثة إلى تراجع نفوذها. بالإضافة إلى ذلك، فإن انهيار مصرفي بارديوبير وتسي فتح الطريق لميديشي في فلورنسا. يجادل روبرتو ساباتينو لوبيز بأن الانهيار الاقتصادي كان سبباً حاسماً في صعود عصر النهضة.

وفقاً لهذا الرأي، فإنه في حقبة أكثر ازدهاراً سيقوم رجال الأعمال باستثمار أرباحهم بسرعة لكسب المزيد من المال في ظل مناخ مؤات للاستثمار. ولكن في السنوات العجاف في القرن الرابع عشر لم يجد الأثرياء فرصاً استثمارية كافية واعدة ليستغلوها واختاروا بدلاً من ذلك الإنفاق أكثر على الثقافة والفن.

سابعا : اسباب انهيار النظام الاقطاعي (2) :...

اولا - اضمحلال القرية

كما قلنا كان الاقتصاد الاقطاعى يقوم على الزراعة ، فلم يكن للصناعة أو التجارة فيه إلا دور ثانوي، وكانت الأراضى التابعة للسيد الاقطاعى تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

- أراضى الخاصة بالسيد دون غيره.

- أراضى الفلاحين أو الضيعة وهى أراضى مقسمة على أسر الفلاحين ويقومون بزراعتها لحسابهم الخاص مع دفع التزامات نقدية أو عينية للسيد.

- الأراضي الجماعية وهى الأراضي غير المنزرعة المحيطة بالقرية ومنها الغابات والمراعى والتى يملكها السيد ولكن يكون الفلاحين حق استعمالها.

وكانت القرية (الضيعة) عبارة عن مجموعة من الأفراد يعيشون في قرية واحدة ويتعاونون في الزراعة وتحكمهم قوانين وعادات خاصة ويشتركون في دفع الضرائب للسيد وكانوا ينتجون ما يكفى حاجاتهم من مأكل ومشرب أي أن إقتصادهم كان يقوم على الاكتفاء الذاتي.

كان العبء الأكبر من العمل في الضيعة ملقى على عاتق العبيد الذين كانوا يتمتعون بالقليل من الحقوق في حين كان عليهم العديد من الواجبات والالتزامات.

وكان على السيد أن يزودهم بالأرض والدواب والحيوان وحد الكفاف من الغذاء في فترات ندرته، كما كان عليه أن يحميهم من الأعداء الخارجين وكانت الضيعة تتمتع بالاستقلال السياسي والاجتماعي ونظراً لعزلتها فأنها كذلك كانت تمارس الاستقلال الاقتصادي، وترتب على ذلك أن كل إنتاجها كان يستهلك محلياً ولم يكن هناك أسواق أو تبادل بعد نتيجة لذلك فإن ثروة الأسياد لم تكن تقاس بالنقود ولكن بمدى ما يملكون من أراضى وما عليها من عمال ودواب.

ثانيا – تطور المدينة :

قد أدى انتشار العنف والقلق السائد في هذا العهد إلى تكتل السكان في قرى قريبة من قصور الأسياد المحصنة أو في مناطق يسهل الدفاع عنها. وكان سكان المدن من التجار والصناع والكثير منهم من أصل رقيق يحاولون بشتى الوسائل الحصول على استقلال ذاتي يخفف عنهم سيطرة السيد ويتيح لهم إقامة إدارة ومحاكم خاصة بالمدينة، وكان لانتشار المدن وإزدهارها أثر كبير على الإقتصاد الاقطاعى حيث إزدادت حاجة الأسياد إلى أموال سائلة للحصول على ما يرغبون من المدينة ، وقد كان هذا من أهم أسباب تحويل الالتزامات العينية إلى التزامات نقدية.

ثالثا - النقابات الطائفية :

كان أصحاب الحرف يقيمون في المدينة خارج سلطة الضيعة ويعملون هم وعائلاتهم ومساعديهم في إنتاج السلع المختلفة. ولذلك قاموا بتنظيم أنفسهم في جمعيات حرفية تدافع عن مصالحهم وتنظم الحرفة بما يمنع عنها المنافسة الخارجية ويقصر حق الإنتاج على أعضاء الحرفة. وعرفت هذه الجمعيات باسم النقابات الطائفية.

وكانت هذه النقابات تملك بعض السلطات العامة فكانت تعمل على المحافظة على مستويات أسعار السلع عن طريق تحديد الأسعار ولا يجوز لأي عضو البيع دونها وهى أيضا تعتبر أسعار عادلة بالنسبة للمستهلكين. كما أن النقابة كانت تحدد عدد العمال وأجورهم وطرق الإنتاج وتنظم العلاقة بين مختلف أعضاء الحرفة وتقوم بالتحكيم بينهم.

وطول العهد الاقطاعى كان النزاع مستمراً بين السادة بعضهم وبعض ثم بينهم وبين المدن ، وفى المدن بين التجار والصناع والعمال. كذلك كانت طبقات الفلاحين تقوم من حين لآخر بثورات يقمعها السادة. وقد دخل النظام الإقطاعى فى أزمة حادة وبدأت تظهر بوادر نظام اجتماعى جديد وهو النظام الرأسمالى.


سابعا : الاسباب المباشرة لانهيار النظام الاقطاعي (3) :...

يمكن تلخيص الأسباب المباشرة التى أدت إلى انهيار النظام الاقطاعى فيما يلى:

أولا :

- ظهور النقود واستخدامها وسيطا للتبادل نتيجة الصعوبات والمشاكل المرتبطة بنظام المقايضة وقد أدى ذلك إلى ازدهار الأسواق وتقويتها. وتمكن المزارعون من بيع كميات من محاصيلهم ودفع الإلتزامات النقدية للسادة.

ثانيا :

- حلت الدولة القوية التى يحكمها ملك محل الولايات.

- بدأت الصناعة تزدهر مما أدى إلى زيادة ملموسة في سكان الحضر ونشأة كثير من المدن والهجرة إليها وقيام أسواق واسعة لتصريف المنتجات الزراعية، كما أن أصحاب الملكيات الزراعية الكبيرة هاجرو إلى المدن وقاموا بتأجير أملاكهم مقابل حصولهم على إيجارات نقدية ودفع ضرائب ، ونجد أنه حدث تغير جوهري أو سلسلة تغيرات أساسية في طرق الصناعة التى نقلت الأفراد من الحرف الزراعية المورثة إلى أساليب جديدة في العمل والمعيشة وهو ما يعرف بالثورة الصناعية.

ثالثا :

-اكتشاف القارتين الأمريكيتين واكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح مما أدى إلى انتقال التجارة من دول البحر الأبيض المتوسط إلى الدول المطلة على بحر الشمال والمحيط الأطلسي وازدهار الأسواق التجارية في إسبانيا وهولندا وانجلترا وفرنسا.

رابعا :

-نشوء التطور الصناعي ونشوء الشركات الرأسمالية الكبيرة كشركة الهند الشرقية وشركة الهند الغربية وشركة خليج هسون، وقد كان لهذه الشركات اثارها ليس على التجارة والاقتصاد فحسب إنما على المستوى السياسي والاجتماعي.

خامسا :

-ظهور الحاجة إلى استغلال الثروة المكتشفة وتصريف المنتجات المصنعة، الأمر الذي أدى إلى تركيز وتكتل رؤوس الأموال والبحث عن مستعمرات جديدة لاستغلالها.

سادسا :

- زيادة حجم التبادل التجاري وظهور الحاجة لتنظيم النقد فأنشات البنوك لتتولى الأعمال المصرفية.

سابعا :

-إزدياد نفوذ التجار الذين كانوا ينفردون بوضع تشريعهم والفصل في قضاياهم، أصبح متعارضا مع دور الدولة في أداء مهامها لصالح الجماعة فتدخلت لوضع قواعد تشريعية بدلا من القواعد العرفية وفقد القانون التجاري تدريجيا صته الدولية وبدأت حركة التقنين من خلال أمرين ملكيين في عهد لويس 14 الأول يتعلق بالتجارة البرية بالإفلاس والأوراق التجارية والشركات واختصاص المحاكم التجارية والثاني تحت رقم رقم 1681 يتعلق بالتجارة البحرية.

ثامنا :

-تدخل الدولة في تنظيم النشاط التجاري وحمايته أيضا حماية ورعاية مصلحة الجماعة وتقديمها على مصلحة الفرد ما مهد لاحقا لصدور العديد من القوانين

وبالاضافة الى ذلك ...

فأن الزيادة في التجارة في بدايات عصر النهضة عززت من هذه الخصائص. أثر تراجع الإقطاع وظهور المدن في بعضهما البعض، على سبيل المثال، أدى الطلب على سلع الرفاهية إلى زيادة في التجارة مما أدى إلى ثراء أعداد أكبر من التجار والذين بدورهم طلبوا المزيد من السلع الكمالية. منح هذا التغيير التجار سيطرة شبه كاملة على حكومات الدول المدن الإيطالية وعزز التجارة مرة أخرى. كان الأمن أحد أهم آثار هذه السيطرة السياسية. واجه أولئك الذين ازدادوا ثراء في دولة إقطاعية مخاطر من النظام الملكي القائم وخطر مصادرة أراضيهم، كما حدث لجاك كور في فرنسا. أبقت الدول الشمالية على قوانين كثيرة من القرون الوسطى والتي عرقلت التجارة بشدة، مثل القوانين ضد الربا وحظر الاتجار مع غير المسيحيين. في الدول المدن الإيطالية تم إلغاء هذه القوانين أو إعادة كتابتها 


------------------
** الدكتور محمود عمران أستاذ التاريخ بجامعة الإسكندرية، والعميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة بيروت العربية. حائز على العديد من الجوائز المحلية والعربية والدولية. وله العديد من الكتب والبحوث العربية والأجنبية والمنشورة عربياً وعالمياً 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في الموقع

صفحة الدانة نيوز الثقافية

صفحة الدانة نيوز الثقافية
صفحة ثقافية منوعة وشاملة احدى مفاخرنا

المقالات المتحركة

الدانة نيوز - الصفحة الرئيسية

صفحة المرأة - السيدة العربية

صفحة المرأة - السيدة العربية
صفحة شاملة منوعة تتابع قضايا المرأة وشؤونها واخبارها

كيف ظهرت الحياة على الأرض

***** الأكاديمي الروسي إيريك غاليموف - المدير العلمي لمعهد الجيوكيماء بأكاديمية العلوم الروسية - هو صاحب فرضية منشأ القشرة الأرضية الكوندريتي الكربوني. كما يعتبر من أهم مؤلفات الأكاديمي غاليموف كتابه الشهير بعنوان "ظاهرة الحياة" التي يكشف فيها آلية تشكل المادة العضوية من اللاعضوية وظهور الحياة على الأرض وهذا هو موضوع حلقتنا هذه

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

صفحة المقالات

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلان

تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

اعلن معنا

سلايدر الصور الرئيسي